في زيارتي لأحد تلامذة المدرسة الأخلاقيّة وهو سماحة الوالد الشيخ محمد كاظم الجشي – دامت بركاته – وتحديدًا في أيام العيد تعودتُ منذ أن كنت صغيرًا أن أُسَجِّل كل شيء يقوله؛ لأستفيد من كلماته وفوائده وحِكمه وأُطروحاته.
وفي كلمته التي ألقاها – حفظه الله – في يوم العيد بمجلسه العامر بالخير قد ركّز على جانبين، وهما التعامل بالأخلاق الحسنة، والتأمل والتفكر في قنوت صلاة العيد.
أما فيما يخص الجانب الأول فمن وصاياه أنه قال – دامت بركاته: أولادي عليكم بالأخلاق الحسنة فإنها تزيد في الرزق، يقول أمير المؤمنين (ع): «حُسْنُ الأخلاق يُدِر الأرزاقَ»، وعنه (ع): «مَنْ ساء خلقُه ضاقَ رزقُه، ومَنْ كرُم خلقُه اتّسعَ رزقُه».
ثم أضاف قائلًا: “أولادي فكما أن الأخلاق الحسنة تزيد في الرزق، فهي كذلك تطيل في العمر تأملوا في قول النبي (صلى الله عليه وآله): “إنه من أعطي من الرفق فقد أعطي حظه من الدنيا والآخرة، وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار”.
ثم قال: “أحبتي وأولادي إن حسن الخلق صفة سامية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فهي تُطَهِّر صاحبها من آفات اللسان وترتقي به إلى مراتب الإحسان مع خالقه ومع سائر الناس”.
وقال: “أولادي لا يوجد أفضل من الأخلاق الحسنة ولا تقل أنا ابن فلان فإن قيمتك بأخلاقك لا بحسبك ولا بنسبك”…
فبسمو أخلاقك تنجذب القلوب نحوك كما ينجذب النحل حول أزاهير الربيع.
وبسمو أخلاقك ينتشر عبقك في الحدائق والبساتين مع الرياحين والورود، وأعني بذلك النفوس التي كلها طيب.
وبسمو أخلاقك تحصل على لوحة الشرف، ووسام المجد، ودرع التفوق.
وبسمو أخلاقك ترقى إلى مدارج الكمال، وتصل إلى أعلى الجنان، كما وعدك رسولك (ص) بذلك حين قال: “أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا”.
وبسمو أخلاقك تقطف خصال الخير والبر كلها، كما قال النبي (ص): “البر حسن الخلق”.
وبسمو أخلاقك ترقى منزلة عالية حتى تصل إلى درجة الصائم القائم، كما أخبر بذلك (ص) لما قال: “إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم”.
وبسمو أخلاقك وتقواك لربك تدخل الجنة بسلام، وأصدق شاهد على ذلك لمّا سئل (ص) عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: “تقوى الله وحسن الخلق”.
وبسمو أخلاقك تكون من أكمل المؤمنين إيمانًا، كما قال (ص): “أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا”.
ثم قال دام ظله: “ولدي اعلم أنك ضعيف ضئيل تقتلك الشرقة وتنتنك العرقة وتؤلمك البقة.. بل وتمرضك الجرثومة التافهة التي لا تُرى إلا بأدق المجاهر وأقواها.. فتجعلك تتلوى فلا حول لك ولا قوة… فكيف نرى أنفسنا أو نتكبر على خلقٍ مثلنا…
يُذكر أن رجلًا رأى متكبرًا في السوق..
فما زال يرمقه ببصره.. حتى ساء ذلك المتكبرَ، فقال: أنت..! ألا تعرفني؟!
فرد عليه الرجل في سخرية: بلى والله أعرفك..! أنت ابن آدم المسكين.. تحمل في جوفك العذرة.. وبعد موتك جيفة قذرة.. وتدميك البقة.. وتقتلك الشرقة..
ويذكر أيضًا أنه مر بعض أولاد المهلب بمالك بن دينار وهو يتبختر في مشيه..
فقال له مالك: “يا بني لو تركت هذا الخيلاء لكان أجمل بك، فقال: أو ما تعرفني؟ قال: أعرفك معرفة أكيدة، أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة.. وأنت بين ذلك تحمل العذرة..” فأرخى الفتى رأسه وكف عما كان عليه..
وفي آخر بحثه تطرق سماحته عن الدعاء الذي يُقرأ في صلاة العيد، فقال: أولادي تأملوا في كلمات هذا الدعاء العظيم:
“اللهم أهل الكبرياء والعظمة هو سبحانه أهل الكبرياء والعظمة وهو أهل الجود والجبروت وهو أهل التقوى”…
وهذا الدعاء الوارد عن المعصوم (ع) يوجهنا ويقول لنا يا أصحاب هذا العيد، أيها المعايدون بهذا العيد، أيها المتبركون ببركة هذا اليوم، خاطبوا ربكم باسم الكبرياء، والعظمة، الذي هو رداء له سبحانه وتعالى فلا تتكبروا على عباده، فقد ورد عن الصادق (ع): «ما من أحد تكبر أو تجبّر إلا لذلة وجدها في نفسه».
واختتم حديثه – دام بقاؤه – برواية عن الإمام الحسن (ع) ”من أراد عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فليخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعته“.
———————
اللّهمّ لا تدع خصلةً تُعابُ منّي إلاّ أصلحتها، ولا عائبةً أُؤنّبُ بها إلاّ حسّنتها، ولا أُكرومةً فيّ ناقصةً إلاّ أتممتها، برحمتك يا أرحم الراحمين.