من «مقعد ونافذة» في تاروت.. القيصوم ترثي شخصياتها المؤثرة «عند مليك مقتدر»

بين ولائية الفرح ومرثيات الحزن، وبين أحداث وشخصيات الماضي واستشراف المستقبل يتشكل وجدان الشاعر٬ فلا تمر الأحداث عليه كما تمر على غيره٬ وهذا ما أكدته الشاعرة والكاتبة بهية عبدالله القيصوم٬ من خلال ديوانها الأول “مقعد ونافذة” الصادر عن دار أطياف للنشر والتوزيع بالقطيف.

ولم يكن قرار طباعة هذه القصائد إلا حفظًا لها من التلف، وتجارب الخذلان التي تعرضت لها من ذاكرة التقنية الحديثة، فقررت ابنة تاروت الاستجابة لاقتراح أخيها “عبدالكريم” الذي تبنى فكرة طباعة الديوان ومتابعة أمر النشر، في ظل تشجيع أسرتها الداعمة لمسيرتها الأدبية.

إيقاعات الخطاب
وفي كتابها الذي قسمته إلى عدة نوافذ، خالية من المقدمة التي تشرح للقارئ محتوى الكتاب، وكأنها تترك المهمة له لاكتشاف عالمها الشعري، وكيف اختارت بحوره، في 135 صفحة من القطع الوسط، متخذةً قوافي شعرها الفصيح الرصين، بما يحمل من أوزان وإيقاعات سلمًا لخطاب المشاعر بشتى أغراضه، ومضمونه سواء كان المديح أو الرثاء أو الوصف أو الاعتذار والفخر، مفتتحة أوله بقصيدة “سمفونية الأدباء” يتبعها إهداء الكتاب إلى والديها ورفيق دربها زوجها الشيخ نذير المسيري.

نوافذ ومقاعد
جمع الكتاب عددًا من النوافذ الشعرية سواء كانت حول “كتب” وشملت 6 قصائد بدأتها بمعشوقتها ومهد ولادتها “تاروت”، إذ كانت لها وقفة على كتاب الباحث سلمان رامس “خليج تاروت دراسة بيئية”، بعدها انتقلت إلى نافذة “الروايات” من الأدب العربي والعالمي مستلهمةً منها ثماني قصائد.

وخصصت نافذة “عند مليك مقتدر” ثماني قصائد في رثاء الشخصيات المؤثرة في حياتها سواء كانوا من عائلتها أو معارفها، وحتى بعض الشخصيات الاجتماعية المعروفة ومنهم: الخطيبة فاطمة العقيلي “أم حسين عقيلية”، وسعاد الزاير، وأحمد الزاير، وفوزية القيصوم.

وفتحت نافذة على “التاريخ” متضمنة 22 قصيدةً في رثاء ومديح عظماء التاريخ، أو الأحداث الواردة بين ثنايا السَّير التي قرأتها، أما نافذة “إلى كتابي الأول” فتضمنت 6 قصائد، وخاتمتها كانت قصيدة “أنا والشعر” من كتاب “جماليات الشعر العربي” للدكتور هلال جهاد.

ولادة القصيدة
وتحدثت القيصوم عن بدايتها مع عالم الشعر والأدب، مجيبة عن سؤالنا: “هل القصائد تختار الشاعر أو الشاعر هو من يختارها؟” بأنها تجدها حالة من انفعال المشاعر مع الحدث سواء كان ماثلًا أمامها، ومنغمسة في مشاهده، أو من خلال استحضار أحداثه عبر الخيال الخصب الذي تقوده البلاغة القوية في المعنى، وفصاحة المنطق.

وذكرت بدايتها في تعلم فنون الشعر والخطابة الحسينية عند عمتها تاجة القيصوم، بعد تعلم القرآن الكريم في “الكتاتيب” على يد المعلمة الحاجة فاطمة آل سيف “أم سلمان آل سيف”، قبل المدرسة ومع سنوات الدراسة في العطل الصيفية.

سنوات الدراسة
وأشارت إلى تجاربها الشعرية التي بدأت في سنوات الدراسة، خاصة المرحلة الثانوية، بخوض المساجلة الشعرية مع الطالبات، إذ كانت تكتب على نهج البحر الطويل والكامل من غير دراسة، إلا أنها مع كثرتها، أخذت مسار ضرورة تعلم أصول الشعر بصورة منهجية، والتدرب عليه وتعلم علومه، وبالفعل تلقت علوم الشعر وفنونه على يد الشاعر الشيخ عبدالكريم آل زرع، وكذلك في الحوزة خلال دراستها الحوزوية من الشيخ عباس آل سباع، لتمضي بخطى ثابتة وبشغف نحو الشعر وعلومه حتى مع رحلات زوجها إلى النجف إذ كانت نقطة تحول للمعرفة.

همس الولاء
واستمرت في البحث عن نبع لإرواء قريحتها الشعرية والأدبية، فوجدت في مجموعة “همس الولاء” الشعرية، فرصة لتبادل الحوارات الشعرية مع أمثالها من شاعرات المجتمع، وكذلك “ملتقى حكايا” بقيادة زهراء شوكان، منهلًا لتعلم فنيات كتابة القصة والرواية، بالإضافة إلى المشاركة في الاحتفالات والمبادرات الأدبية ومنها مبادرة “مسك القيم” في الرياض.

ولائية الحزن والفرح
وبيّنت أن نظم القصيدة الولائية يختلف باختلاف الغرض منها، وإن كانت فكرة تخامرها وتحتضنها ثم تخرج بنظم محدد، وهذا تجده في القصيدة الحزينة، عبر استحضار المواقف التاريخية، ومحاولة الولوج في تفاصيل الأحداث، واستحضار المشاعر وجعل الحدث كأنه ماثل أمامها، أما القصيدة الولائية للفرح فتشعرها أن الاحتفاء يكون مع الكون وهي جرم صغير.

الخطابة الحسينية
وبالنسبة لتجربتها مع الخطابة الحسينية فاعتبرت أنها تمضي نحو خطوات جادة وفق دراسة وطرح مواضيع مهمة للمرأة قد تكون مغيبة عند البعض، منوهةً إلى أن تقسيم أدوارها على عدة أصوات في المجلس الواحد قد يوهنها.

وأكدت على قدرة المرأة قيادة الحركة الأدبية النسائية في المجتمع، واستمرار التمسك بضلع الأدب “الشعر”، والعمل على دمجه في الفنون الأخرى كالرواية والقصة.

وأوضحت أن حملها رسالة المنبر رسالة شرف واعتزاز وهي تطرق أبواب أهل البيت (عليهم السلام)، حتى إن كان هدفها هو نزول الدمعة، مشيرةً إلى أن ذلك ما تم إلا بالإرادة الإلهية ودعاء والدتها بندر علمها مع أخواتها إلى الإمام الحسين (عليه السلام)، واستمرار مجلسهم لسنوات عدة مع تتابع تمسك الأجيال الشابة به من بناتهن.

عالم الألوان
وكشفت عن توجهها الفني الذي لم تتنازل عنه مع تشعب المهام من حولها، وهو حبها للرسم بالألوان الزيتية والأكريليك، ليكون نافذة أخرى نحو البحث عما يسلي الذات.

وأفصحت عن عزمها على إخراج كتابها “نافذة ومقعد” الجزء الثاني، بعد أن يأخذ الجزء الأول مداه من النشر والتوزيع، بالإضافة إلى مجموعة شعرية بعنوان “ازدحام ندى”، وأخرى قصصية بعنوان “نورس على ساحل كتفي”.


error: المحتوي محمي