الكتابةُ عن أصحابِ العملِ الصغير لا تخلو من الطرافةِ فبعد ثلاثِ سنواتٍ تقريباً من تركِ العملِ الوظيفي مع شركةٍ كبيرة يعمل معها شركاتٌ عالمية تملك من الشهرةِ والقدرة ما لا يتوفر لصاحبِ العمل الناشئ، ولكنها أيضاً تواجه تحديّاتٍ أضعاف تحديات صاحبِ العمل الصغير، ظننت أني تفرغتُ للحياةِ وبهجاتهَا، ولكن سريعاً تبين أن متعتي سوف تكون بين إصلاحِ المنزلِ والسيارة والتبضع اليومي بحيث أحاول ملء السلالِ بالريح، أقضي ساعاتٍ كلَّ يومٍ ولا أنجز عملاً أستطيع أن أكتبه في مذكراتي. أنا محتاجٌ كل يومٍ للتعاملِ مع صاحب العمل المتميز في ناصيةِ الشارع القريب، فلن يمرَّ يومٌ دون معاناةٍ أو طرفة تستوقفتني الكتابةُ عنها!
في الثلاثِ سنوات التي تعرفت فيها على الكثيرِ من أصحابِ العملِ المبدعين والمغامرين، رأيتُ القليلَ منهم يفكر في كيف يبقى العملُ من بعده ليستمرَّ في أولادهِ وأحفادهِ وينمو كبيراً ليحمل اسمه وطموحاته جيلاً بعد جيل، والكثير منهم يعتقد أنها مسألة “أكل عيش” وتسلية. ولكن في ظلِّ التنافسِ المحموم ليس أكل العيش سهلاً إذ يبقى عليك الإجابة عن سؤالِ الزبون التالي: لمَ يأت إليك ولا يذهب للمكان الآخر؟ سؤالٌ واحدٌ في الإجابة عنه كثيرٌ من الأدواتِ التي على أصحابِ الأعمال الصغيرة أن يكتشفوها ويستخدموا بعضاً منها إن أمكن. ربما تحتاج الكتابة إلى حلقاتٍ وأمثلة كي تتضح أهمية بعض الأدوات، مع الأخذِ في الحسبان أن الزبون مثلي لن يعرفَ كل معوقاتِ النجاح المتعلقة بقوانينِ العملِ وشخصية صاحب العمل:
أولًا: تحديد الهدف من العمل، ما هو طموح صاحب العمل وما هي الرسالة الشخصية التي يريد إرسالها عن نوعية العمل للعملاء؟
ثانياً: شريحة العملاء المستهدفة، فربما لو افترضنا أن تاجراً باع أحذيةً فهل يبيع الحذاءَ ذا العشرة ريالات أو الأربعة آلاف ريال؟ وهل صاحب خدمة السيارات يبحث عن كل الأنواع أو فئة دون أخرى؟
ثالثاً: المنافسة في الجودة، التي يختبئ في محتواها جودةُ المنتج وطرق توصيله للزبون من الراحة والاستقبال وخدمته بعد البيع. هناك الكثيرُ من العملاء تهمهم الراحة والخدمة المتميزة وإن ارتفع سعرُ المنتجِ قليلاً في المقابل.
رابعاً: المسؤولية المجتمعية في مظهرِ المكان ونظافته الداخلية والخارجية بما يعطي العميلَ فكرة أن صاحب العمل فردٌ من المجتمع يربح منهُ ويستثمر فيه. وبذلك يتكون لدى صاحب العمل قاعدة مخلصة يعتمد عليها في القدوم مرةً أخرى.
خامساً: الدعاية الهادفة، ليس هناك دعاية أفضل من توصيةِ عميلٍ سابق، والدعاية أبسطها لوحة المكان التي يجب أن تكون نظيفة وواضحة، وموقعه في الشبكة عند البحث عنه، ثم مواعيد الدوام المنتظمة وسرعة الإنجاز في الموعدِ المحدد.
سادساً: تكلفة الأداء، التي لا بد أن تكون عادلةً تكفي ليحتفظَ صاحبُ العمل بهامشِ ربحٍ معقول يسمح باستدامة العمل والاستثمار فيه، ولا يثقل كاهل العميل محدود الدخل.
من الطُرف التي تصادفني؛ جلوس صاحبِ العملِ على كرسي وسؤاله للعامل: بكم هذا يا كمار؟ والثاني عندما يتأخر ويريد تطييب خاطرك يسأل: ماذا حدث، لم يمت أحد؟ والثالث لا يأتي ويعتذر: أضعتُ رقم هاتفك، والرابع يعدك أن المنتج جيدٌ مائة في المائة لتكتشف أنه لا يساوي حمله للمنزل.
كل عمل يحتاج الجرأة في الاستثمارِ والتجديد وإلا يموت! فلا بد أن يقارن صاحب العمل نفسه بالمحاربِ الذي يرتدي بزةَ السلاح ويتقدم دون خوف، فإن خسر فليس ملامًا وفي الغالب لن يخسر، وإذا لم يستعد منذ البداية للمعركة فالخسارة حتمية لكنها مسألة وقت. وما نراه اليوم من أسماءٍ عالميةٍ ومحلية كانت مبادراتٍ فردية، كان وراءها بعد نظر وشيءٌ من الهمةِ والنشاط والتخطيط.