إن كوننا الفسيح غامض ومدهش بشكل لا يصدق، فكلما تقدم العلم وتطورت الاكتشافات الكونية أدرك العلماء ضعفهم وعجزهم أمام عظمة الكون، وأدركوا جهلهم بأسراره وعجائبه، ومهما تطور العلم سيبقى علم العلماء محدودًا وقليلًا، وهذا ما أكده القرآن في قوله تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [الإسراء: 85].
خلق الله سبحانه وتعالى الانسان بأحسن تقويم وأجمل صورة؛ كما وضع في جسده كمًا هائلًا من الأسرار والخفايا التي تذهل العقل عند معرفتها، وبناء ًعلى ما تقدم فإن الإنسان حرص على الغوص في أعماق نفسه ومحاولة استيعاب تركيبته وكل ما يتعلق بذاته حتى جاء علم متكامل يهتم به يعرف بـ”علم الإنسان”.
كما هو معروف فإن الانسان مكون من جسد وروح، هذا الجسد الطيني (الأرضي) هو واحد من سبعة أجسام لها درجات مختلفة من الكثافة أو الذبذبة وهو أثقلها (أي أقلها ذبذبة)، وهو الوحيد الذي يقع في نطاق رؤيتنا، أما الباقي فكل منها يكون في مستوى أثيري في درجة ذبذبة مختلفة، والروح الحقيقية توجد داخل هذه الأجسام السبعة والتي تحجب الروح بدرجات متفاوتة.
كلما تقدم الإنسان روحيًا فإن ضميره يمر من المستوى الأثيري المنخفض صعودًا إلى المستوى الأعلى، وبذلك يتضح أكثر نور روحه وتسمو أفعاله وأخلاقه (وهذا ملاحظ عند بعض العلماء والعارفين، حيث تجد وجهه مشرقًا بالنور والضياء، وما هذا إلا انعكاس بسيط لنور روحه وضيائها).
الفكر والوعي بحقائق الكون هو مقياس الرقي الإنساني، فكلما ارتفع وسما هذا الفكر ارتفعت الذبذبة الذاتية لدى هذا الشخص واحتل مرتبة أعلى في السلم الكوني، مما يجعله ينتقل إلى أعلى الطبقات الأثيرية في عالم البرزخ، والروح التي تعيش في المستوى الأثيري القريب من الأرض تكون شبه أرضية أو مادية، أما تلك الروح عالية التهذيب فإنها ترتفع إلى المستويات الأثيرية العليا.
فالذكر والاستغفار هما سلاحا المؤمن، فهل يصلح أن تسير بدون سلاح في طريقك إلى الله والأعداء يتربصون بك، وأول أعدائك هي نفسك؛ سورة يوسف {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم} (53).
النفس الأمارة بالسوء التي هي منبع الشهوات، ومصدر الشبهات والرذائل، ومأوى الأخلاق السيئة، تخيل أنك تسير بدون سلاح، ستجد نفسك تسير نحو النظر الحرام، نحو التكبر، نحو النميمة، فالنفس بدون ذكر كالليل المظلم، فمتى دخلها ذكر الله أنارها، فالشهوات داخل النفس الأمارة بالسوء مثل الحطب والأفاعي والعقارب فمتى دخلها ذكر الله أحرقها.
كن عاقلًا واسعَ لاكتشاف أسرار وخفايا نفسك كما بحثت عن أسرار الكون، لتجعل حياتك الدنيا مزرعة للآخرة.
المصدر: سوق عُكاظ، أكبر مكتبة عربية إلكترونية (عالم المعرفة).