كفانا شائعات

دائمًا يقال الكتاب واضح من عنوانه وأنا أقول هنا الموضوع واضح من عنوانه، لا أنوي من خلال هذا العنوان أن أنشط أو أثير تطفلك عزيزي القارئ، فأنا أدرك جيدًا الترسبات السلبية الناتجة من وراء قراءة هذا الموضوع، وأدرك أيضًا أن اختياري لهذا العنوان المباشر المكشوف بوضوح لا يأتي على طريقة التلاعب بمشاعر وخواطر القارئ، لتنتهي بعدد من القراء يفوق المتوقع! فقلمي يتأبط أوجاع نفسي لأبادر كتابتي عن قوة وقدرة، وهذا تجاوز لحلمي لتصبح كل كتاباتي واقعية اجتماعية، وهكذا الكتابة عن القطيف وعن أهلها تأكل أصابعي، وهاجسي الذي يحرك سكوني الداخلي لمعالجة أي موضوع يظهر الإبداع الإنساني.

أكتب من خلف سواد الليل وتعتريني رجفة بين أصابعي وتتوه مني السطور، بسبب بعض الشائعات التي تتوطن بالذهن وتلوث النفس وتترك ضحاياها بأي حال! أعذروني لو ارتفعت صرخاتي هنا وملأت هذا الفضاء صخبًا واحتجاجًا لا حد له ليبقى هناك حدود وقيود، لك الخيار يا قارئ العزيز أن تغلق هذه الصفحة وتنتقل لموضوع غيره، ولأنك ما زلت تقرأ هنا فهذا يشعرني بإصرارك على قراءته، لم أكن أنوي أن أكتب عن هذا الموضوع أبدًا نظرًا لحساسيته، وما طلبي منك بعدم القراءة فإني لا أريد أن أعكر صفو قهوتك أو أمزج جمال يومك بسواد كتابتي هذه!

في خاطري بعض الاستفسارات التي تشغلني وليتني أحظى بردود واضحة!

• هل مروج الشائعات شخص يتمتع بصحة نفسية سليمة؟
• هل تعتبر الشائعة ظاهرة صحية؟
• هل تتفق معي بأن هؤلاء المروجون خفافيش سامة؟
• هل هناك مصنع يقوم بإعداد هذه الشائعات وتسويقها؟ ولمصلحة من؟ ما الفوائد وما الأضرار؟
• هل صادتك إحدى الشائعات؟ ماذا لو تعرضت يومًا لإطلاق إشاعة عنك؟
• ما سر عشق الناس لإثارة تلك الشائعات؟
• هل تهوى الشائعات أو تصدق بعضها؟
• إلى متى تكف البشر عن ترويج الشائعات ومن يعاقبها؟
• كيف تصدق بما هو صادق أو كاذب أهو تسلية أو تنفيس؟

ولتكن الردود فأنا أحيي نزاهتك في عدم جلب الشائعات أو تسويقها، أرى أن كثرة مروجي الشائعات تلزمني بأن أذكركم بهذه الآية الكريمة: بسم الله الرحمن الرحيم {يأيها الذين آمنوا أذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا إن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} صدق الله العظيم.

من المخجل والمؤسف أن يختلق الناس بعض القصص ويصدقوها، وأعتقد البعض منا قد سمع شائعة إسلام رجل الفضاء الأول أرمسترونج وسماعه الأذان عند هبوطه على سطح القمر، وبعد ثلاثين سنة سمع نفس النداء الله أكبر أثناء وجوده في وسط القاهرة، وتذكر تلك اللحظة الهامة وأعلن إسلامه وبعد أيام قررت وكالة الفضاء الأمريكية فصله من وظيفته بسبب إسلامه رغم الحرية والديمقراطية، وهكذا تنتشر بعض الشائعات للمشاهير ثم بعد فترة يبادرون بتكذيبها، فكيف لذلك الرائد أن يسمع الأذان ويسلم ويفصل من عمله ويصمت دون احتجاج أو تشهير؟! وهنا سأكون مباشرة جدًا مع الموضوع، إلا أني لم ألتو من قبل ولا أحب الالتواء، موقنة تمامًا أن القارئ لا يرضى لي أن أكتب تجملًا أو نفاقًا، وهذا عزائي وهو دليل ارتقاء نفوس القراء، وأحسبه نبلًا مما يجعلني لا أتردد في إظهار ظاهرة الشائعات هنا بشكل ملموس وألتمس العذر من الجميع.

إذًا تلك الشائعة كان ينبغي أن تثير الضحك والسخرية وتبدو اللامنطقية واضحة، ورغم ذلك فقد فوجئنا بها تنتشر وتنتشر ومع انتشارها ذهب البعض لينسج مبررات أكثر سخافة، “عفوًا” لإقناع الآخرين بأن ذلك الرائد بعد سماعه نفس الآذان قد أسلم، إنه أمر ينفر ولا يجذب وهو تبرير غير منطقي، ومن السخف أن الناس صدقت ورود تلك الشائعة وأثبتت قوتها رغم عدم صحة الخبر، ولعل من أطلق تلك الشائعة قد يغرق من الضحك والسخرية على هؤلاء المجانين، وسحقًا لتلك الشائعة وعلى الرغم من كل ما قيل ظل هناك من يصدق! وقد تجاوزت الشائعة الخط الأحمر رغم أننا نعتبرها شائعة بيضاء وأيضًا الشائعة تبقى شائعة.

ما هذه السذاجة! نحن نصدق كل ما يقال وهل هذا قدرنا أن نتعامل مع مبدأ وسياسة النسخ واللصق والقال والقيل، وهكذا الشائعات من السهل أن نطلقها ومن الصعب أن نوقفها وهنا تكمن الكارثة! هذه مجتمعاتنا تعاني من مشكلة ترويج الشائعات وهي موجودة بوجود الإنسان، وذلك لأن من طبيعة النفس البشرية تصاب بأمراض اجتماعية كالحسد والغيرة والكره، ومنذ أن خلق الله المرء وجد معه الصراع الذي يستهدف البشر بأسلحة باردة تصيب جسد الإنسان وثقافته وهويته، نحن في زمن ومجتمع قالوا وقلنا أصبحنا نعيش في حالة من التذبذب والضياع.

وهذه الشائعات إحدى الوسائل التي يعبر عنها الإنسان تجاه الآخرين، يقولون ويقولون ويقولون هذه الوكالة المزيفة الرخيصة الهابطة غير الشرعية، وكالة يقولون لن تنتهي ولن تتوقف وهكذا تبدأ سلسلة الأقاويل بكلمة أو خبر، قد يكون الخبر صحيحًا، ولكن البعض يزوده ويطعمه بكلمات وبسرعة فائقة، تنتشر وتلك الكلمات ما هي إلا حروف تتجمع وتتشكل في إشاعة موجعة كل الوجع، وكأنها رصاصة تخترق جدران منازلنا كثيرًا ما تترك أثرًا سلبيًا من الداخل، هو أمر يذاع بين أوساط الناس ولا يكون له أصل في الواقع، وذلك لتحقيق غايات معينة أو التأثير على معنويات الآخرين.

تلك الشائعات قد تكون مغرضة تخرج من نفس حاقدة لإثارة الفتن، والتي تستهدف بشكل شخصي أشخاصًا يملكون المؤهلات، التي تثير حفيظة ذوي النفوس المريضة وتجعله تحت المجهر، ولا تجد صدى إلا عند فئة ضعيفة النفس تجد متعتها بالأحاديث الكاذبة على الناس، وخاصة على الإنسان الناجح بسبب الفراغ والسطحية وكثرة الثرثرة، وعليه أن يدرك أنها ضريبة النجاح ولا بد من الصبر، فالنجاح يزعج البعض لكن لا يعطيهم الحق في خلق وتأليف أكاذيب ملفقة جائرة.

بعض الشائعات تلهب عواطف الكثيرين ولن تكون الأولى ولا الأخيرة، ولكنها هادمة قاتلةّ ذات لون أسود قرينة الكذب وبخط عريض كأنها فيروس، تصيب الناس بمرض “أنا أكرهك وسأدمرك”، تلك الجرثومة البغضاء تتغلغل في الجسد البغيض لا تفرق بين هذا وذاك، وتنتظر تلك الجرثومة الفرصة للتعبير عن ذاتها وما أكثر الفرص في هذا الزمان بل وفي كل زمان ومكان، ولكن العاقل من لا يمنحها الفرصة ولا يعطيها مجال الانتشار.

ولقد حرم الإسلام ترويج الشائعات ووجوب التأكد من صحة الخبر قبل نشره، ولم يكن هناك أيام الرسول الكريم لا تليفون ولا صحف ولا وسيلة إعلام، ولم يسلم الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه من الشائعات، وأكثر الناس تعرضًا للشائعات الكاذبة هم الرسل والمخلصون والأصفياء، وهذا ثابت منذ فجر الإسلام والإنسانية، حيث الشائعات ليست غريبة على المجتمع العربي فهي دائمًا موجودة ومتناقلة على الألسن، وبدأت تنتشر بكثافة رهيبة وسريعة، وأجزم أن الذي ساعد على انتشار الشائعات الوسائل التكنولوجية كالهواتف والإنترنت وكأنها قنبلة موقوتة. الشائعة مرض ليس جديدًا له جذور في التاريخ، وكان للشائعة سوق رائجة منذ زمن بعيد، وكأنها موضة وظاهرة لتثير الناس بالشائعات والفضائح.

ليس هناك فن من فنون الكذب يرقى إلى مستوى فن صناعة الشائعات، ولا يوجد كذابون أمهر من مروجيها، وهؤلاء المروجون يفرقون أنفسهم بإحساس التميز والتعطش دون تعب بل دون حياء، دون خوف الله، ولكن يميل الكثيرون إلى تصديق الشائعة وبسرعة دون الرجوع أو المحاولة لمعرفة الحقيقة، وخطورة الشائعة لا يمكن حصرها إلا من خلال ممارسة الشفافية والوضوح، وهكذا الفضول يقتل حسًا جميلًا ويتمثل في عدم ترك الناس في حالها، فالناس تعرف أخبار الآخرين الخاصة والعامة بأدق تفاصيلها وتبني الشائعات حتى تصبح شبه حقائق.

تنطلق الشائعات دومًا من بؤرة مجهولة يصعب تحديدها، فالشائعة يمكن أن تبدأ من بيت مريض أو من فم حاقد، والاستهانة بالشائعات خطأ فادح مهما بدت الشائعة تافهة، حادثة ما تبدأ بكلمة يقولون أو سمعت وتنتهي بالناس قالوا أو سمعتهم يقولون، وما زلنا نعاني من خطر الشائعات المدمرة حتى أصبحنا لا نعرف الحق من الباطل والصواب من الخطأ، ولكن المنهزمون هم الذين يتفننون في نشرها لتحقيق هدف لا علاقة لها بشعار مرفوع ولا بمبدأ مطروح، ولكن ليطمئن الإنسان أنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح .

أخشى أن أتفاجأ ليلًا وأنا أحتسي قهوتي بإطلاق شائعة باختفاء القهوة من السوق، وليكن تأثيرها فهي أخيرًا كلمة مبهمة نضع حولها دوائر حمراء للإيضاح، فلا تلوموني حينما أكتب الكثير عنها ولعل البعض ينتقدوني في الإطالة أكثر مما يجب! أغلبنا على درجة من الوعي بحيث ندرك ليس كل ما يشاع صحيح، ولابد من التحقق من صحة الخبر ثم نساهم بنشره دون خوف من الله أن نكون سببًا في ظلم الآخرين، ها نحن نرى كل يوم شخصيات محترمة تسقط وشركات تنهار والسبب وجود شخص مغرض أو حسود. كفانا شائعات وأقاويل، لنحاول إجهاض الشائعات في مهدها وعلينا دفنها! كفى بالمرء كذبا أن يتحدث بكل ما سمع، وعلى ناقل الخبر أن يتروى وليتأكد من كل ما يقال، وليحذر أن يبادر بالتصدي الفوري، وتلك الشائعة ناشئة طارئة بل كاذبة سرعان ما تخمد ووسيلة للتنكر لا تدوم طويلًا.

وفي الختام أردت أن أقدم اعتذاري قائلة: يا قلبي لا تحزن وسأرسل من هنا صرخة ونداء وتوسل، أصرخ بأعلى صوتي، ويكاد قلبي وصوتي يصل للسماء وأقول كفى ثم كفى ثم كفي يا مسلمي العالم، لم كل هذا الضجيج بتلك الشائعات؟! لم كل هذه الشائعات والأكاذيب؟ لعل أحدًا يجيب، ولكني في معظم الأحوال مؤمنة بدعوة لن أمل من نشرها أبدًا، لا للشائعات والأكاذيب، نعم للعدل والحق والحب، لنجعل الحب والجمال والخير والنور هويتنا وغايتنا، لتتعانق الأرواح وتتشابك القلوب وتشق طريقها إلى السماء، وقد تتساءل الملائكة عن تلك الحركة المباركة والمناجاة العذبة، لتقبل أعمال المسبحين في شهر الله الكريم لتذوب أرواحنا في نصرة الدين.


error: المحتوي محمي