لا ضرر ولا ضرار.. فلماذا نصر على الإضرار؟!

كنت قد تحدثت مسبقاً في عدة مناسبات عن ما ينقل ويتداول عبر قنوات التواصل من مقالات وآراء وتحذيرات تتعلق بقيمة الإنسان وصحته، وأكدنا مراراً أنه لا جدوى من نشر هكذا أقاويل ومقاطع مصورة دون أن تقترن بالدقة العلمية والمصداقية، ليبني على الشيء مقتضاه.

كل ذلك من أجل ماذا؟

لنشر الذعر والتخوفات والتهويل والإشاعات والشكوك بين الناس، هم يسيئون إلى أنفسهم.

جرياً على العادة، هناك اشخاص يتعمدون إثارة الشكوك والشبه الواهية التي لا تستند على حقائق علمية أو شهادات مخبرية.

نحن نرى أغلب هؤلاء الأشخاص الذين يتبنون هكذا أقاويل هم ممن زعموا الخبرة والممارسة الطويلة.
لا نستطيع أن ننكر الخبرة وهي جزء من مسلسل الإقناع، ولكن الموضوعية تقتضينا هنا إقرانها بمستلزمات البحث العلمي.

هكذا أمور لا توصلنا إلى نتيجة ما لم يتلازم ذلك بالبحوث والتجارب والفحوص المخبرية المعتمدة، إذن لا توجد مصداقية لكل ما يطرح أو يشاع ما لم يرفق ما تثبت صحته.

عندما تصلنا مقاطع فيديو؛ يلزم التأكد من حيثياتها وأهدافها حتى لا نكون قد شاركنا بقصد أو بدون قصد في حملات التضليل والخداع.

الغرض من نشر هكذا مقاطع، هو الإضرار بمصالح الناس عن طريق بث الأكاذيب دون وجه حق.

لا يجوز لنا من مبدأ الأمانة والمصلحة العامة، الزيف أو التضليل أو الخداع أو بأي شكل قد يؤدي إلى انطباع خاطئ لأي علامة تجارية، حتى لا نكون في موقع المساءلة من قبل الجهات الرقابية والمتضررين، وقبل ذلك أمام الله عز وجل.

صحيح ليس مطلوبًا منا المساهمة في ترويج أو وصف دعائي لأي علامة تجارية حتى ولو كانت جيدة، في حين لا نكون أيضاً وسيلة لدفع المشتري والمستهلك إلى مكان آخر خلاف توجهاته وقناعاته.

ليس هناك خلاف بوصف المنتج كقيمة غذائية أو فائدة صحية، دون الحاجة أو اللجوء إلى استعمال طرق أخرى، كظاهرة الزيف والتشهير التي لا يرضاها الله لنا.

كل واحد منا يضع نفسه في موقع أحد المتضررين وهو يرى تجارته واستثماراته تنهار بين عينيه، ماذا سيفعل؟!

أقاويل وآراء ومقاطع مصورة، لا تبعث على الاطمئنان، نقرأها ونسمعها ونشاهدها بين الحين والآخر عبر قنوات التواصل الاجتماعي من أشخاص زعموا الخبرة والمعرفة في هذا المجال أو ذاك، دون تقديم دليل علمي حاسم على صحة تلك الأطروحات.

لا نحتاج إلى الكثير من التأمل لندرك أن الخبر أو المقولة أو المشاهدة فيها معلومات خاطئة أو مغلوطة، ويندر أن تتصف بالدقة العلمية.

هكذا نرى أن الاتجاه نحو تبني أقاويل ومشاهدات بهذا المستوى الهزيل يصبح عملاً عشوائياً لا معنى له، وهو يندرج تحت الخزعبلات الواهية، ولنا رأي مخالف لذلك التوجه.

إن واجبنا الأول قبل الشروع في الحكم والتعليق وإبداء الرأي لمثل تلك الأطروحات الخالية من المفاهيم العلمية، هو الحرص على جمع المعلومات الدقيقة والصحيحة لمختلف جوانب البحث، ولا نقبل أي منها إلا بعد تفحص وتدقيق ودراسة موضوعية وخطة مدروسة مبنية على أساس علمي.

وانطلاقاً من هكذا حيثيات وبحكم ممارستي في مجال الملوثات الغذائية والفحوصات المخبرية – لي رأي في هذا الجانب – لعلنا بعد طرح وجهة النظر العلمية نخرج بقناعات مشتركة إن شاء الله – وتعم الفائدة للجميع.

جهاز تجاري فاقد لمعايير الجودة!!
ما إن نشرت المقالة التي تحمل عنوان “مياه الشبكة وصلاحية شربها”، فإذا بنا نرى سيلاً من الاتصالات من جهات متعددة تتساءل عن حقيقة مقطع فيديو متداول عبر قنوات التواصل الاجتماعي يتضمن خلاف التوجه الذي أشرنا إليه في المقال، ادعى المتحدث بأفضلية ماء الصنبور أو ماء الشبكة العامة على المياه المعبأة في قوارير، وقارنها بجملة من العلامات التجارية المتداولة في الأسواق، التي أجرى عليها الاختبار وذكرها بالاسم، وهذا يعتبر نوعًا من التجني والادعاء المضلل، وللشركة أو صاحب المنشأة الحق في محاكمة ومقاضاة صاحب المقطع في المحاكم من جراء التشهير به، والإضرار بمنشآته.

أما إذا أردنا أن نحسن الظن بهؤلاء، فنقول: إن الذي جعلهم ينشرون مثل هذه المقاطع أما من أجل تبيان الحقيقة، أو لتداولها فقط، وقد يترتب على ذلك تداعيات صحية وظلم للعباد.

تعليقاً على المقطع المتداول، والذي وصلني منه عدة نسخ من جهات مختلفة، سأورد بعض الحيثيات لتوضيح الحقيقة:

١ – الجهاز تجاري صغير، صناعة صينية، لا تتعدى قيمته الـ25 ريالًا!!

٢- وظيفة الجهاز فصل جزئيات الماء كهربائياً، وليس تحديد صلاحيته.

٣ – المتحدث ليس له خلفية علمية، كما لم يسجل عنوانه للتواصل معه.

فكرة الجهاز لا تحقق إثبات صلاحية الماء للشرب، إنما يعمل على فصل الانيونات والكاتيونات الموجودة في الماء، وتلك مواد صلبة ذائبة موصلة للكهرباء.

الانيونات “كلوريدات – كبريتات – نترات – كربونات – بيكربونات – فلوريدات”.

الكاتيونات “الكالسيوم – المغنيسيوم – الصوديوم – البوتاسيوم – الحديد”.

الحكم على صلاحية الماء للشرب من خلال لون السائل والمواد العالقة فيه بعد فصل الأيونات بالتحليل الكهربي، هي ليست معايير يمكن اعتمادها.

وقد يكون الماء يحتوي على كاتيونات مرتفعة من الحديد والنحاس وعناصر أخرى “معادن ثقيلة” تتفاعل مع الأكسجين لتكون مركبات جديدة كأكسيد النحاس والحديد وغيرها، وهذا مما يجعل الماء بعد التحليل الكهربي يظهر باللون البني الغامق الرائق، بينما المياه النقية الخالية من الأملاح تكون عديمة اللون لأنها عديمة التوصيل الكهربائي (0 = TDS) واللون الباهت والخفيف دلالة على انخفاض الأملاح وتوصيله الكهربائي ضعيف.

عدم وجود الأملاح في الماء أو انخفاضها دليل على أن الماء غير صالح للشرب.

الكثير من الأجهزة الطبية والعلمية التجارية لا تخلو من الغش وتصنف بأنها أجهزة فاقدة لمعايير ومواصفات الأجهزة المعتمدة.

إذن للناس أن ترى وتستنتج ما تريد، ولكن هناك قواعد عامة للتثبت وتأكيد ما نرى، لقد طالت الأقاويل والتحذيرات حتى حسب الجهال أنهم في الميدان.

منصور الصلبوخ
اختصاصي تغذية وملوثات


error: المحتوي محمي