العيد في بلادي تراث وذكرى

كنت قد تحدثت عن رمضان الكريم حيث ما زال المسلمون ينعمون بنسمات رمضان، وما هي إلا أيام قليلة ويمضي فأحسن الله عزاء الجميع في رمضان، وها أنا أعود لأكتب عن العيد بحميمية وصدق، فما أحلى العودة إلى ذكريات العيد، والتي لا تقل جمالًا في النفس عن أيام وليالي رمضان، وبعبق الإيمان مع تلك الأيام العظيمة، أخذت أقلب عقلي وقلبي وأبحث عن المعنى للعيد، فوجدت أن العيد هو المعنى الذي يكون في اليوم لا لليوم نفسه، على أن يكون العيد هو عيد الفكرة العابدة لا عيد الفكرة العابثة، وما أجمل أن نختار العيد السعيد لإيصال حبنا وتسامحنا وعطائنا لمن نحب.

أحاول في هذا النص أن أسكب في قلوب القراء قطرة قطرة بصدق مشاعري وعفويتي، وها هو حبري يغرق أمام موجة الأحاسيس التي سأهديك إياها أيها القارئ، إن شعرت لحظة بأن هناك عبثًا بقلمي على خد هذه الصفحة، فهي كبقع الضوء المتناثرة على جسد العمر، تبدو أيام العيد في الطفولة والشباب وتتنفس روائحها الخالدة، من خلال تلافيف الذاكرة وكأنها مسجلة في شريط لا يدركه التلف، ولابد من لحظاته الصادقة ما جرى ويجري، في العيد تعيش فيه ألف قصة هذه تحية صباح العيد وتلك ابتسامة الصديق لصديقه.

هكذا امتدت سنوات العمر وهكذا وجدت نفسي أعيش العيد في القطيف نعم المدن هي القطيف، هدوء وجمال وكرم وصحيح أنها ما زالت بكرًا ولم تعط كل ما عندها من جمال ولكن ملامحها العامة تشير إلى سحرها، وهكذا فرحي بعيدي على أرضي لا يدانيه فرح فهو الوطن بدفئه وبهائه، حيث يظل العيد بالقطيف يدغدغ مشاعري، حيث لا أدرك كلما حل العيد أن تكون فرحتي به فرحة مستوحاة من الماضي، مجرد استجرار لذكرى قديمة تعود لمرحلة الطفولة بين أحضان القطيف، ولا شك أنه شعور مشترك ومتبادل بين الجميع ولا يدخل فيه أية حسابات، وفي هذا العيد ارتأيت إطلاقه مع بعض التحفظ لبعدي عن أرضي، وعسى ظله يكون خفيفًا هذا العيد، حيث لا حدود للفرح به.

يا ترى ما هو العيد؟ ذكريات مؤلمة حكايات قديمة اججتماعات أسرية تحقيق آمال، وقد تكون ابتسامات قد تهاوت خلف بعض الأقنعة، لم يعد عيدًا ولن تعد الفرحة فرحة ولم يعد الطفل طفلًا وحتى طعم الأيام قد تغير، وأنا هنا عندما أثير مسألة العيد وتساؤلًا عن ما هي فلسفة العيد وآفاقه فالعيد هو معنى إنساني وحضاري بل هو روحي واجتماعي.

ها هي الأيام تجري لتشرق شمس عيد جديد علينا فيشعرنا بالفرح والسعادة، رغم الهموم وها هي ذكرياتنا تقف أمامنا من كانوا معنا في أعيادنا الماضية، البعض لا يزال حاضرًا بروحه وعطره وذكره، والبعض رحل وترك بصمة وبسمة وضحكة وفضاءًا واسعًا حزينًا لرحيلهم، يا ترى ماذا أتذكر الأفراد الأشخاص المواقف الأحزان أم فقط الأفراح؟ كل ذلك يقف عند ركن الذكريات وحتمًا هناك ذكريات سعيدة وجميلة قد أسعدت أرواحنا، ولا يخلو العيد في معظم الأحيان من منغصات قد يتعرض لها أحدنا فتثور في النفس الذكريات.

عندما نتحدث هنا عن ذكرياتنا الجميلة في العيد، وتحملني أجنحة الشوق إلى تلك الذكريات في حارتنا القديمة، حيث تتوارد إلى الذاكرة صور ومشاهد العيد مع جيراننا الأعزاء، علنا نتناسى بعضا من هموم الحاضر ونقنع أنفسنا أن العيد ما زال لنا بعد أن كبرنا، كانت الحياة تتسم بالبساطة والعفوية وتشيع مشاعر الحب والود بيننا، ما أجمل الذكريات والتي تغلفها برائحة العيد، تلك الذكرى نبع أحاسيس ومشاعر تغمرني وتحتل كياني، حيث أسير كالطيف وقلبي يسع هذا العالم كله، وببعض التسامح والأجمل أن تكون القلوب صافية.

ذكريات مرحلة جميلة صادقة من العمر نراها برونق خاص، في ذلك الوقت من حميمية التواصل وصدق المشاعر، وكم كانت الحياة بسيطة لا تخلو من جمال الصدق، حتى الشوارع والبيوت تعبر وتخبر عن أصحابها الطيبين، أتذكر من مظاهر عيدنا في الحي والأزقة البسيطة حيث ألعاب الأطفال، وترى الفرحة جلية في نفوسنا كبارًا وصغارًا، حيث لا يقابلك أحد إلا وتبادله السلام والتهنئة حتى وإن لم تعرفه، أتذكر صوت مؤذن المسجد المجاور لمنزلنا يخبرنا أنه آن الأوان لننطلق باستقبال العيد، هناك طفولة ذهبت براءتها بعفويتها فكانت نجمة تنير بدلالها يوم العيد، أعترف لقد عشت طفولتي ببهجة العيد ولعبه ومرحه، وكانت العيدية تعني وتمثل لي الكثير وكنت أقف عندها كثيرًا، وعند اقتراب العيد ومع كل يوم يمر تزداد نبضات قلبي بالخفقان نترقب ذلك اليوم الموعود، حيث تأخذني الذاكرة إلى أيام طفولتي، وكيف ننتظر قدومه بفارغ الصبر.

من منا لا يملك كمًا هائلًا من تلك الذكريات التي ترافقه وتتدرج معه في سنوات عمره طال أم قصر، وعلى ما أتذكر أنه في اليوم الأخير من رمضان لم نكن نعرف النوم، ونحن ننتظر مسحراتي الحي واسمه زين نريد أن نودعه وقد تعودت رؤيتنا على رؤويته، كما تعودت آذاننا على سماع صوته الشجي الدافئ الذي رافقنا طوال ليالي الشهر الكريم، لا أدري كيف أربط مجيء المسحراتي في ذلك اليوم بمجيء عيد الفطر، ربما لأنه كان يودع شهر الخير بتلك الأناشيد المعبرة والمؤثرة وعيناه تفيضان بالدموع، وهو يدق على كل بيت في الحي معايدًا علنا بطريقته الخاصة.

وللأسف بدأت تختفي هذه المظاهر شيئًا فشيء بسبب انشغال الناس، وتتابع في مخيلتي لأتذكر تلك المشاعر الرائعة مشاعر الحب والود والتآلف والتراحم بين الجيران والجميع يشارك جاره الفرحة، وكان العيد يحفل بتلك المظاهر فيكون له وقع في النفوس ولا أروع، فهي تستحق أن تبقى محفورة في الذاكرة ومستقرة في الوجدان.

في خاطري الكثير من الذكريات مع الأحبة والمكان والزمان، ولكني أقول هنا إن هذه الجماليات لا تقتصر على جيل بعينه أو أجيال دون أخرى، فكل له في حياته ذكريات ولكن يظل للعيد في القطيف عبق خاص في نفسي ولو لساعات جميلة، وأجمل يوم حين تشرق خيوط شمس العيد الذهبية معلنة قدومه، وقد يغفل الكثير منا عن المعنى الحقيقي للعيد فيظنوه في لبس الجديد واللهو فقط، وإن كان ذلك من سمات العيد ولكن هناك أمور أخرى، لا أدري ما السر الكامن في ملابس العيد ولا حتى في الحذاء الجديد؟!

لا أريد التحدث عن العيد خارج الوطن فلا وجود له في قلبي. اعذروني سأقف لحظة للاستراحة مع كوب من القهوة لأني شعرت بالدوخة، حيث الكتابة نزلت على صدري، فكان الصمت لساني وقد توحي كلماتي هذه بزمن ثابت لا يشيخ، لمحاولاتي بكتابة قريبة من الأرض والقلب والإنسان نعم إنها لغة تصوغ وجداني.

آن لنا نحن المسلمين أن نرمى أضغاننا وحقدنا وآن لنا أن نرى ابتسامة صافية بملامح الطهر والطفولة، وأكيد أهنئك بعيد الفطر السعيد وجعل الله أيامك كلها أعيادًا.


error: المحتوي محمي