هلال العيد

بين المقدر منازل وتحري رؤياه، حكاية وألف حكاية، اقتران مطرز بتجاذبات الفرح عند الصائمين، ملايين العيون شاخصة باتجاه موحد. ترقب انبلاج الومض المقوس، وجوه مستبشرة نحو أفق السماء، قياسات النظر تتبارى بارتحال المسافات، تقاذف سهام الشوق لترصد الطلة الموعودة بعيدًا عن كدر الغيوم والظنون، تتفرس الرؤية بصحوٍ خالٍ من الغمام والغبار ، تمني كل نفس بحظوة السبق كنصر ملوح يهز الديار طربًا وأنسًا، عيون مفتوحة باتساع تتأمل بريق المرتجى، وجفون تكاد أن تنطبق على الأحداق لتلهمها سفر الفضاءات، أنفس وأنفس تنسى كيانها المادي تغادر برهة تضاريس الأرض، وتطير أمنية بأثير زرقاء اليمامة، لعل العزيز يتراءى لها خطفًا مبتسمًا هذا المساء أو غدًا، لهفات حنين تتجدد منذ ألف وأربعمائة سنة لطلتة الساحرة، ضوء يرى ولا يرى، كلغز مقدس ينبلج على استحياء، مخاتلًا يغري الأبصار ولهفة المنتظرين، رب عين تحظى بسناه تغزلًا ورمشًا، وتقول للقوم: ها أنا ذا أول من رأى.

أيها البشير المتلألئ صبابة بكرستال الفرح، هل أنت الذي كنت أراك؟ ببراءة الأمس وريعان الصبا، وأطياف الأنس، أأنت المختبئ نبراسًا في ذاكرة العشاق وتصاوير الفنانين والشعراء، هل أنت الفاتن ضياء والمفتون انعاكاسًا،
آه أتيتني ولم أحسن لقياك؟ عذرًا أيها الضاوي سمانا، إنني لم أحسن النظر هذه المرة لرؤياك!، أجوائي معتمة، ملبّدة بالحزن، وفي العين دمعة إثر دمعة، وغشاوة من ألم، ووحشة على امتداد البصر، أسكرني الحزن ثمالة من أسى، بلعت وجعي وتواصيت بالصبر، فهو أول عيد يمر في حياتي منذ وعيت على الدنيا لا أعيد فيه على والدي، كنت طوال سنين الأعياد الماضية ألقي عليك يا أبي تحايا العيد مثنى وثلاث ورباع إلا هذا العيد، أفتقدك يا أبي، أفتقد يداك ورأسك والقبلات، أفتقد سماع ردودك الجميلة، كم عيدية أعطيتني والأولاد، عطاياك لي لا تحصى يا أعز الناس، أصحيح يمر هذا العيد من دونك يا أبي؟!

لا أملك إلا الدعاء، رحمك الله يا والدي رحمة الأبرار ورحم الله كل أب وأم رحلوا عن أولادهم.. شريكة حياتي تسمعني صوتها قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان (محلا الأبو في العيد إذا جمع أولاده، ورفرف عليهم بالهناء طير السعادة،
محلا الأبو في العيد إذا جمع أولاده ولبّسهم الزينة على جاري العادة….).

سيبقى الإنسان طفلًا وإن بلغ من العمر ما بلغ طالما الوالد أمامه، لكنني أتمثل حزن كل الأطفال اليتامى الذين هم في عمر الزهور، ويمر عليهم العيد من دون عمود الخيمة.

يا هلال العيد حزني مشترك مع زوجتي فهي بالمثل يمر عليها أول عيد لا تعيد فيه والدتها فقد رحلت عمتي قبل رحيل والدي بأربعة أشهر، وتقول: لن أنساك يا أماه سألقي عليك تحية العيد وإن كنت تحت الثرى وسأستمر ما دمت حية على وجه الحياة وما دام في الجسد نفس، تقلب عكاز والدتها وتقول: (ويش خانة العيد من غيرش يايمه)، ألف رحمة على روحك الطاهرة يا أم أحمد ويا أبا أحمد، وحزني ممتد على أصحاب وأقارب ومعارف فقدناهم خلال الشهر الكريم.

عبدالوهاب صفوان، أبو أنور الوحيد، حسين عبدالكريم محمد حسين، نصر الصايغ.
وحزني متضامن مع حزن الأخوين الفنانين كمال المعلم
وعلي هويدي.. وأيضًا مع الأخ العزيز الكاتب محمد الدرازي الذي فقد ابن أخته الشاب مطلع الشهر وكذلك الأخ محمد حبيب أمين الذي فقد والدته في نهاية الشهر الفضيل.

وأشارك أحزان كل الذين فقدوا أحبتهم واستقبلوا هذا العيد من دونهم، رحم الله أموات المسلمين والمسلمات، وحشرهم الله مع محمد وآل محمد.

وبرغم الحزن الساكن
في الوجدان سنقرؤك يا هلال العيد بأعذب التحايا، ونخاطبك وأنت آية من آيات الله بأن تفرغ علينا فرحًا وتنسينا الأحزان وتهب لنا ألقًا من سنائك، ها نحن أبصرناك بهجة وحدائق من نور.

وبهذه المناسبة العزيزة على القلوب، أهنئ الجميع بقدوم عيد الفطر السعيد، أعاده الله علينا وعليكم باليمن والبركات وبكل الحب والود أنثر على محياكم ورودًا ورياحين.

عبدالعظيم شلي


error: المحتوي محمي