رسالة إلى نفسي ثم إلى الجميع

كم هو جميل أن نعيش مع وصية الإمام علي (ع) ونحن نودع الشهر المبارك، فما أروعها من كلمات.

ومن وصاياه الخالدة قال (ع): “ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”.

فلقد تحدث علي (ع) عن أهمّ العناوين الإسلامية التي تُبرز اهتمام الإسلام بالمجتمع ألا وهو “الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر” الذي ورد عن الإمام الباقر (ع) أنّه: “سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء”.

والذي يترتب عليها صلاح المجتمع وسلامته ونجاته في الدنيا والآخرة، فعن الرسول الأكرم (ص): “والذي نفسي بيده، ما أنفق الناس من نفقةٍ أحبّ من قول الخير”.

وعنه(ص): “الدالُّ على الخير كفاعله”.

وقد أكدَّت النصوص الدينية وسيرة الأنبياء والأوصياء على التزام الحكمة في أسلوب الأمر بالمعروف، ولنا في موقف الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) خير شاهد في ذلك حينما رأيا أعرابيًّا يتوضّأ بشكل خاطئ، فتقدّما وطلبا منه أن يشرف على وضوئيهما ليعرفا أيّ الوضوءين أحسن! فقال الحسين (ع) للأعرابي: أيّنا يحسن الوضوء؟
فأجاب الأعرابي: كلاكما تحسنانه، روحي لكما الفداء، ولكن أنا الذي لا أحسنه.

يُعلّمنا الحسنان (ع) في هذه القصة كيف ندعو إلى الله تعالى بما يُقرِّب الآخرين إلى الإسلام بالأسلوب الهادئ الحكيم، لا كما يفعل بعض الناس الذين يُنفّرون الناس من الدين والإيمان.

كذلك الشخص المسلم الذي أسلم جاره النصرانيّ وبعد إسلامه طرق عليه بابه عند الفجر ففتح الباب متفاجئًا: ما الأمر؟ فطلب منه المسلم أن يذهبا إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، فذهبا وبعد الصلاة أراد من كان نصرانيًّا الرجوع إلى بيته، إلاَّ أنّ جاره أصرَّ عليه أن يقرأ القرآن لا سيّما أنّ الوقت بين الفجر وطلوع الشمس من الأوقات المباركة… طلعت الشمس لكنّ جاره لم يدعه يذهب إلى بيته إذ أخذ يلقّنه أدعية مستحبّة في ذلك الوقت إلى أن جاء وقت صلاة الظهر فصلّى، وحين همَّ بالذهاب إلى بيته استبقاه جاره في المسجد لقراءة بعض الأدعية حتى يأتي وقت صلاة العصر، وحلّ وقت العصر، وأبى جاره إلاَّ استبقاءه لصلاة المغرب ولم يدعه يرجع إلى بيته إلاَّ بعد صلاة العشاء، وفي اليوم التالي جاء المسلم عند الفجر، وطرق باب جاره «النصرانيّ سابقاً»، ففتح له الباب، وسأله: ما الأمر؟ فطلب منه الذهاب معه إلى المسجد، لكنَّه تفاجأ حينما أجابه النصرانيّ: اذهب يا هذا، وابحث لدينك عن رجل غيري، فإنّي رجل ذو عيال.

وقد ورد أنّ أحدهم روى هذه القصّة للإمام الصادق (ع) الذي علَّق عليها بأنّ من أدخله في الإسلام هو الذي يتحمَّل مسؤوليّة خروجه منه.

وحينما يترك المجتمع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنّ هناك عواقب سوف يواجهها يمكن بيانها في العناوين الآتية:

أ‌- تسلّط الأشرار على المجتمع:
فعن الإمام علي (ع): “لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولَّى عليكم شراركم”.

ب‌- عدم استجابة الدعاء:
ويكمل الإمام علي (ع) الحديث السابق بقوله: “ثم تدعون فلا يُستجاب لكم”.

ج- نزع البركات من المجتمع:

عن النبي (ص): “لا تزال أمتي بخير، ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك، نزعت منهم البركات”.

وقد تعرَّض الإسلام للأسباب التي تدعو المؤمن لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي يمكن جمعها في عنوان الضعف، وهو إمّا ضعفٌ في فهمه أو ضعف في سلوكه، وبالتالي فهو إمّا ضعيف على مستوى البنية المفهوميّة الدينيّة، أو ضعيف على مستوى الالتزام الدينيّ، من هنا ورد أنّ النبيّ (ص) قال: “إن الله (عز وجل) ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له”، فقيل: وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له؟ قال: “الذي لا ينهى عن المنكر”.

وقد حدَّدت الشريعة ثلاثة مراحل للنهي عن المنكر:

الأول: الإنكار بالقلب:
فعن الإمام علي(ع): “أدنى الإنكار أن يلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة”.

الثاني: الإنكار باللسان:

إذ أنَّ الكلمة الناهية عن المنكر قد تغيِّر مصير الناهي والمنهيّ من قعر جهنّم إلى عوالي الجنة.

الثالث: الإنكار باليدّ:

فعن الإمام علي (ع): “من رأى عدوانا يعمل به، ومنكراً يدعى إليه، فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ، ومن أنكره بلسانه فقد أجر، وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى، وقام على الطريق، ونوّر في قلبه اليقين”.

وهذا الإنكار هو الذي قام به الإمام الحسين (ع) في أعلى مشهد إنكار ليس فقط باليد، وليس فقط بالسيف، بل كان بالدم المقدّس، لأنّ الإمام (ع) واجه أعلى منكر، وهو محاولة حرف قافلة البشرية عن مسارها عبر إماتة الدين…

———————

اللّهمّ لا تدع خصلةً تُعابُ منّي إلاّ أصلحتها، ولا عائبةً أُؤنّبُ بها إلاّ حسّنتها، ولا أُكرومةً فيّ ناقصةً إلاّ أتممتها، برحمتك يا أرحم الراحمين.


error: المحتوي محمي