هذه الشخصية العظيمة التي أشرقت الدنيا بضياء عطائه والقيم التي جسدها وعلمها وجعلها نبراسًا تتناقلها الأجيال المتلاحقة، تحتاج إلى كثير من تسليط الأضواء البحثية وكتابة الدراسات التي تتناول تفاصيل سيرته الشريفة، والتي تبين أبعاد العظمة والجمال في شخصيته ومواقفه، مقدمة تلك البحوث الكثير من الدروس والومضات المعرفية والأخلاقية والاجتماعية، فالموقف الواحد والكلمة الواحدة تحمل بين طياتها وثناياها الكثير من العبر التي نستلهم منها ما ينير لنا الدياجي في دروب الحياة.
وأي كلام جامع ووصف شاف يمكنه أن يعبر عن شخصية عظيمة تلألأت أنوارها في سماء الرفعة والكمال، فهو (ع) مجمع الفضائل والخصال الحميدة والتحلي بمكارم الأخلاق، وهذا ما يميز شخصية سليل النبوة الإمام الحسن المجتبى (ع)، وهو ما جعله محط التعظيم والتبجيل من قبل من عاصروه بل وكانوا يرون فيه امتدادًا لبيت الوحي بكل ما يحمله من معالي الخصال من علم ملهم، يشفي صدور الحائرين والسائلين عن معاني الآيات القرآنية وما تحمله من مضامين وقيم عالية، وهو هداية المسترشدين لمعرفة معالم طريق القرب من الله تعالى وما يتطلبه ذلك من معارف وسلوكيات، ولذا لم تجد الأمة لها من مرجعية رشيدة وسديدة بعد أمير المؤمنين (ع) من ريحانة الرسول الأكرم (ص) وسبطه الأكبر الحسن (ع)، فلا يمكن لعاقل أريب أن يتجاوز من يحمل علمًا وحلمًا ومنطقًا حكيمًا وخلقًا رفيعًا وورعًا عاليًا.
وقد رأت الأمة أنها وقعت في اختيارها على أرضية الصواب بلجوئها إلى الكهف الحصين الإمام الحسن (ع)، وخصوصًا أنها تمر بظروف عصيبة وفتنة دهماء لا يجليها إلا من يحمل قيم وبصيرة جده المصطفى (ص).
وإن كان هناك من وصف جامع ومختصر لشخصية الإمام الحسن ومواقفه ومجمل سيرته الشريفة، فهو الخلق الرفيع بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فكل تلك الأزمات والمصاعب والمواقف المتصلبة من التسليم للحق وأهله لم تصادف إلا جبلًا أشم من الصبر وتحمل المشقات والمتاعب، فقد تحمل مسئولية هداية الأمة ورشدها نحو الحق وتوجيهها نحو قيم الإسلام متحملًا كل ما لاقاه من أذى وروح عدوانية، وأما سعة الصدر وتحمل ما يواجهه من منطق السوء والبذاءة والشتم ومواقف الكراهية فكانت سمته الظاهرة، فاستطاع (ع) بحلمه وكظم غيظه أن ينتزع جذور الكراهية ممن وجهوا له حراب الحقد ونطقوا بالسباب، ووجدوه فيه من أصالة المعدن وعلو الشأن والترفع عما يدنس النفس ويمسح نزاهتها، وعظمة هذا الحلم والتجاوز عن المسيء لم يكن نابعًا عن ضعف الشخصية والجبن – حاشاه -، فهذه سوح الوغى تشهد له (ع) بالشجاعة والبسالة والإقدام فلم يكن ليدانيه أشجع الأبطال.
وأما تواضعه واحترامه الكبير لجميع الناس بغير تمييز بين غنيهم وفقيرهم إنه سجية ممألوفةمنه (ع) على الدوام، وهذا أحد أسرار محبة الناس له، فما كان إلا عظيمًا يجبر الخواطر المنكسرة ويبلسم آلام النفوس البائسة، فقد كان يجالس الفقراء ليأكل معهم كسيرات خبز لا لأجل شيء إلا ليعلي من ثقتهم بأنفسهم وطرد النظرة الدونية من أنفسهم ومن كل محتقر لشخص لفقره.
وأمام ما ظهر من ترف وبذخ عند طبقة وجدت في المظاهر المادية وكنز الثروات والتبذير في المسكن والمطعم، وجدت طبقة محرومة تحتاج إلى من ينتشلها ويحن عليها، فكان سخاء الإمام الحسن (ع) وكرمه من أهم ألوان التكافل الاجتماعي والوجدان الفعال تجاه عوز وحاجة الفقراء، فماذا تقول عمن قاسم الله تعالى ماله لأكثر من مرة فجعل نصفه للفقراء، ولأكثر من مرة خرج من ماله تمامًا فجعله كاملًا للمحتاجين، أهل البيت (ع) مدرسة العطاء والسخاء بأعلى درجاته فما كانوا يؤثرون أنفسهم ويخصونها بشيء من المال والطعام، بل عاشوا عيشة أقل الناس ماديًا ليواسوا الفقراء ويهبوهم الأمل بالله تعالى.