إذا وصل الشهرُ النصفَ انتهى وإذا وصل العمرُ النصفَ انتهى! وها نحن قاربنا على نصفَ شهر رمضان المبارك. شهرٌ فيه لنصائحِ كيف تقرأ القرآنَ الكثير وكيف لا تخطئ في القلقلةِ والغنة وإن أخطأتَ فلن يعدم من يصحح لك القراءةَ أينما تكون، في المسجدِ أو في البيتِ أو في المجالسِ تسمع كلمة “أعد”. ولكي تبرأ الذمةُ لا بد أن تصلكَ الرسائلُ والتسجيلاتِ الصوتية والنصوصُ الكتابية كل يومٍ تدلك على كيفيةِ القراءة السليمة.
وفي هذه الأيام وغيرها أسأل نفسي؛ ماذا عن القلقلةِ والغنة في مظاهرِ الحياة؟ وأن نجعلَ ما نقرأ ولو حرفاً مما أجدنا أعمالاً وتطبيقاتٍ تأخذنا إلى عالمٍ آخر؟ في المدارسِ والجامعاتِ يُخصص قسمُ المختبر وأماكن أخرى لتثبيت القسمِ النظري في ذهنِ الطالبِ حتى إذا ما انتهى من فصولِ الدراسة يكون قادراً على الممارسةِ العملية في وقتٍ قصير. وليس شحاً في تعاليمِ الدين في كل جنباتِ الحياة الفردية والاجتماعية حتى إنها تهتم بتفاصيلِ حياةِ الفرد من قبل أن يتكونَ في بطنِ أمه وحتى نهايةَ حياته، وتهتم بشؤونِ تعاملات وتداخلات المجتمعات بكل تفاصيلها، لكن هل من أثرٍ واضحٍ في سلوكياتِ المجتمعاتِ المختلفة في أنها متى ما قرأت عملت ومتى ما أجادت القراءةَ أجادت العمل؟
عندما نغلق أبوابنا لا يهم ماذا نعمل، وحينما نفتح أبوابنا تتكشف سلوكياتنا لمن يراها ومن تجليات هذا الانكشاف الواضح نظافة بيئتنا التي يعيش فيها الجميع والتزامنا بالنظامِ العام الذي يستفيد منه الجميع وعلاقاتنا التي تطمئن الجميع. ينتصف الشهرُ ويعود القمرُ عرجوناً وينتصف العمرُ وينقضي ولكن لا بد للمعرفة والحضارة والتقدم أن تحيا وتتجذر كلَّ يومٍ في نمو مضطردٍ عصيٍّ على الموت. وإذا كان هناك من عمرٍ عنده يتم محاسبة الفردِ على كمالِ عقله ورجاحته فلا بد أن يصل المجتمع إلى عددٍ من السنين والتجارب يحاكم بعدها نفسه ويضع لها ضوابطَ ومقاييسَ أداءٍ كما في المجتمعاتِ الأخرى.
ذاك الذي يصحح القارئ مرةً بعد أخرى كي يجيدَ القراءةَ لا بد أن يعتني بتصحيحِ مسارِ سلوكيات من يستطيع، والقارئ الذي يعيد القراءةَ مرةً بعد أخرى ولا يضجر لا بد له ألا يستنكف من ملاحظةِ السلوك والقبول، كما أعاد القراءةَ النظرية فليعد القراءةَ العملية…
قال صبيٌّ يوماً لآخر: أنتَ تزعجني. أنت تخالف السلوكَ القويم الذي يقره العقلُ والمنطق! أجاب الصبيُّ الصغير: لأن هناكَ صبيٌّ أكبر مني يمكن يكبر قبل العيد…