هي نافذة لا تطل على شاطئ عروس البحر الأحمر أو شاطئ نصف القمر، بل هي نافذة تطل على شاطئ قد امتلأ بسيلٍ من الحمم البركانية الزاحفة نحو اليابسة وأعمدة الدخان تحجب السماء. لقد اعتادت أن تشاهد نفسها بجانب تلك النافذة مراراً وتكراراً لتصحو من النوم مفزوعة وخصوصا بعد حادثة طلاقها.
وفي أحد الأيام قررت أن تضع حداً لذلك المشهد المرعب فقررت أن تتصل هاتفيا بأحد الشيوخ لعله يكون قادراً على فك تلك الشفرات، ولكن التفسير لم يرق لها نهائيًا. حيث وجدت نفسها ما بين الكافرة أو الفاجرة. وإن النار ما هي إلا إنذار تدعوها للتوبة قبل أن يدركها الوقت. ورغم الخوف الذي كاد أن يقصم ظهرها، إلا أنها راحت تراجع ملفات حياتها ولم تجد ما يستدعي حرقها في جوف جهنم. ثم نصحتها إحدى صديقاتها بأن تزور أحد الروحانيين فلربما يكون أجدر من الأول.
وما أن اتخذت الأرض مجلساً لها حتى راح يخبرها بأنه يشعر بحرارة تنبعث منها، وأنه غير قادر على التنفس. وأخذ نفساً عميقاً ونهض بسرعة نحو الخارج ليستنشق الهواء.
فراحت تقرن تلك الحرارة التي شعر بها بالحمم التي تملأ الشاطئ، واختناقه ما هو إلا نتيجة للدخان الأسود الذي يملأ البحر. فراحت تتصبب عرقًا وترتجف إلى أن بدأت تشعر بألم في المعدة ووجع في المفاصل. وما هي إلا دقائق حتى عاد الرجل وهو يصيح قائلًا: “يا نار كوني بردًا وسلامًا”.
لقد وقعت تلك السيدة ضحية لمجموعة من الناس التي تقوم بتفسير السلوك الإنساني على أساس غير علمي، ولا أعلم ما هو الحال الذي كانت ستكون عليه لو لا الصدفة. ففي أحد الأيام كانت تجلس أمام التليفزيون وفجأة سمعت أحد الأشخاص يقول: “هناك بعض المواقف المؤلمة التي تمر على الإنسان ولا يحدث لها تفريغ وبالتالي تبقى عالقة في الذاكرة. وتظهر تبعاتها المؤلمة في أشكال مختلفة، قد يعود لها في بعض الظروف على سبيل المثال على شكل أحلام”.
حينها بدأ الأدرينالين يعمل عمله فتجمدت على الفور وتوسعت حدقات عينيها وراحت تشاهد نفسها مع السائق قبل ما يقارب خمسة وعشرين عامًا. حينما كانت تجلس بجانب النافذة في السيارة وفجأة ظهرت سيارة حمراء لتصطدم في الجهة التي تجلس بجانبها وترمي بهم في قارعة الطريق. وما أن شاهدت الموقف بكل تفاصيله حتى راحت تتبسم فالأحجية قد انتهت.
فالموقف الأليم علق في ذاكرتها ولم تتلق التأهيل المناسب لما بعد الحادث، فقد أخذ هذا الحادث شكلاً مختلفاً وهو الحلم.
فالنافذة التي تشاهدها في الحلم هي نافذة السيارة التي كانت تنظر منها، والحمم البركانية هي لون السيارة الحمراء التي ارتطمت بهم، والأدخنة المتصاعدة هي نفسها الأدخنة التي شاهدتها تتصاعد من كلتا السيارتين. أي هي ليست فاجرة كما أخبرها الشيخ وهي طبيعية جداً، و لا تنبعث منها نيران أو أدخنة كما قال ذلك الروحاني.
وكل ما في الأمر أن طلاقها ترك فيها ألماً ومعاناة ظهرت على شكل كوابيس متخذة موقفًا رمزيًا لذكرى مؤلمة حدثت لها في طفولتها.