
جاء في الأثر أن (في التجارب علم مستحدث).. وهو كلام منطقي ملؤه الحكمة.. وبقدر التجارب التي يمر بها الفرد في كل مجالات حياته ومراحله العلمية والعملية ومدى عمقها وتأثيرها في النفس تقاس خبراته ومستوى نضجه ووعيه ويتضح ذلك جليًا من خلال تعامله مع الآخرين سواء في بيئة العمل أو في محيطه الاجتماعي.
لقد كانت فترة إقامتي في المتوسطة الثانية بالقطيف كمعلمة مكلفة لفترة ثلاثة أشهر أجمل وأروع تجربة عمل في مجال التعليم كرحلة في سفينة ربانها قائدة تربوية حكيمة تعلمت منها الكثير من دروس الحياة جنبًا إلى جنب مع دروس إتقان العمل وروعة الإنجاز والإخلاص في الأمانة الملقاة على عاتقنا نحن حملة الرسالة وورثة الأنبياء.
المتوسطة الثانية عام 1440هـ، حكاية إنجاز وتميز بإدارة حكيمة ومساعد إداري متعاون متميز بالمبادرة وتحمل ضغوط العمل.
طاقم التعليم و لا أروع.. معلمات مميزات رائعات على مستوى التخصص وتحويل المادة التعليمية لجولة عقلية ترفيهية وكأنها وجبة شهية تقدم بملعقة من ذهب وتفتح شهية المتلقي للعلم بجهود مشتركة فينتهي المقرر الدراسي وتأتي الامتحانات ليست على هيئة شبح تخشاه الطالبات بل نهاية منافسة وختام جهود تعقبها فرحة غامرة بالنجاح.. وفي بيئة هذه المدرسة رأيت كيف كانت أساليب احتواء الطالبات وتذليل الصعوبات الدراسية لهن أساس تعامل الإدارة والمعلمات لتحقيق أداء الرسالة التربوية جنبًا إلى جنب مع التدريس بصدق وطرق تقنية مشجعة وبمشاعر حب من أمهات حريصات على تفوق طالباتهن في جميع التخصصات وبالخصوص تلك التي تحتاج لجهود كبيرة.
من توفيقات الله ونعمه الجزيلة وحسن اختياره لعباده أن تكون هذه المنارة من منارات العلم إحدى محطات مسيرتي الوظيفية وتكون مسك الختام لسلسلة تجارب لم تتعد رقمًا لطالما كان سببًا في سعادتي من منطلق أربعة عشر نورا استضيء بهم في مسيرة حياتي. أربع عشرة مدرسة في جميع المراحل الدراسية من الابتدائية إلى الثانوية التي كانت وجهتي الأولى منذ عام 1421 هجرية في محافظة الدوادمي وأربع سنوات من كفاح المعلمات في غربة وطن لكنها لم تكن غربة روح.. ومرورًا بالمرحلة المتوسطة وخير الأمور أوسطها ولذلك كانت سعادتي وارتياحي وإبداعي في تقديم كل ما أملك للإفادة في بيئة العمل في المدارس المتوسطة أكثر من غيرها..
ولأن لكل بداية نهاية فقد وصلنا لنهاية عام دراسي ملؤه الإنجاز وتحقيق الذات والتميز في العمل والتعامل مع شركاء المسؤولية وصناع النجاح بأخلاقيات العمل بالإخلاص والتعاون وروح المبادرة ونقاء السريرة والابتسامة الدائمة التي كنت أراها في وجوه جميع منسوبات المدرسة مهما كانت الضغوط العملية أو النفسية وهو ما وجدته حقيقة في بيئة مدرسية صحية نفسيًا مفعمة بالحب من أفرادها بعضهم لبعض وكأنهم عائلة واحدة..
ربما كانت بداية العام من الصعوبة بحيث لم أحتمل الاستمرار فيها بيد أن الانتقال من مدرسة إلى أخرى كانت باب فرج وتغيير حال بالنسبة لي.. التكليف ليس سيئًا إن وضعت نصب عينيك أن تقدم أجمل ما لديك وتكون رؤيتك الأساسية أداء مهامك الوظيفية على أكمل وجه ورسالتك الأسمى هي رسالة الأنبياء بنشر العلم وإرساء المبادئ والقيم وتعزيز الوطنية لتقديم جيل ناجح يواصل حمل الرسالة.
لم يسعفني الوقت لأضع أكاليل التقدير والشكر فوق هامات جنود التعليم الذين لا يمكن أن يشعر بجهودهم سوى من شاركهم الميدان وتقاسم معهم عناء الكفاح في ساحة العلم.
بيد أني أقدم تجربتي وأهديها لجميع منسوبات المتوسطة الثانية بالقطيف وأضع وسام الشكر والعرفان بادئ ذي بدء للقائدة التربوية الأستاذة سعاد على سليس وإلى جميع موظفات المساعد الإداري وأخص بتقديري المعلمات الغاليات لا سيما زميلاتي في التخصص حيث لم يدخرن وسعًا لمساعدتي كي أتكيف مع البيئة الجديدة وكنّ سببًا في عدم شعوري بالغربة..
شكرًا صديقتي الأقرب والأروع أ. وصال أبو السعود وإلى شريكتي في حملة (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا) زميلة التخصص أ. مضاوي الخالدي في العمل على زراعة حديقة المدرسة التي كانت مكب نفايات وتحوّلت بإدارة حكيمة وجهود من المعلمات ومساهمة منهن في شراء نظام الري والشتلات وغيرها مما أنتج لوحة جميلة للطبيعة الخضراء.
أتمنى للجميع إجازة سعيدة ومزيدًا من العطاء بإخلاص لله وحب للعمل وصدق مع النفس..
لكم كل إكباري وصادق محبتي واغفروا لي تلك الزلل أو الأخطاء التي تعلمت منها الكثير وأعدكم بأن القادم أفضل.
ستبقى الأيام المثمرة التي قضيتها معكم من أجمل ذكريات العمل التي جعلتني أنسى كل مصاعب الوظيفة سابقًا حيث أجبرتني على طلب التقاعد والتفكير في التوقف عن العطاء رغم عشقي لعملي..
أفتخر أن المتوسطة الثانية غيّرت مساري الوظيفي وأدين بالفضل لجهود مديرة مكتب تعليم القطيف الأستاذة التي خسرها ميدان التعليم بتقاعدها وقد أنهت مسيرة عطاء ثرية مميزة صنعت فرقًا في مكتب تعليم القطيف وسوف يسجل تكريمها وتميزها في كتابي القادم قريبًا “امرأة استثنائية”.. وهو سجل سيرة نساء عظيمات فيما قدمنه للوطن والمجتمع جديرات بأن يصبحن خالدات بعطائهن..
شكرا لله من قبل ومن بعد {وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين}.