خارطةُ طريقِ النجاة

إن وصية علي (ع) ليست مجرد كلمات تعاهَدَتْ عليها القلوب وقالتها الألسنة بل هي منهج متكامل لحياتنا وكيف لا تكون كذلك وهي الكلمات الصادرة من فمِ وقلبِ مَن بَلَغَ من القرب والمعرفة الإلهية مبلغًا عظيمًا، حتى قال مقولته المعروفة: «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينًا».

فقد أوصى الإمام علي (ع) ولديه الإمامين الحسن والحسين (ع) قبيل وفاته بعدما ضربه الخارجي ابن ملجم المرادي (لعنه الله) بوصايا عدة منها:

تقوى الله، ونظم الأمر، وصلاح ذات البين، فقال (ع): «أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم فإني سمعت جدكما (ص) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام».

ولقد حَرِصَ الدين الإسلامي على إصلاح ذات البين، وقد جاء الأمر بالسعي في صلاحها، ورتَّبَ الشارعُ الإسلامي ثوابًا عظيمًا، لمن اجتهد وسلك هذا الطريق، وليس ثمة خطوة أحب إلى الله (عز وجل) من خطوة يصلح فيها العبد بين اثنين ويقرب فيها بين قلبين، فبالإصلاح تكون الطمأنينة والهدوء والاستقرار والأمن، وتتفجر ينابيع الألفة والمحبة، يقول الإمام الصادق (عليه السلام) للمفضل: “إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي”.

إن هذا التأكيد من قبل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على مورد الإصلاح لأهميته، فإذا لم يتم إصلاح ذات البين ولم تطو الخلافات الصغيرة والمشاجرات، فستنفذ جذور العداوة والبغضاء في القلوب تدريجيًا ويتحول ذلك المجتمع القوي المتحد والمتعاون إلى جماعات متفرقة متناحرة وتضعف الأعمال الخيرية والاجتماعية في المجتمع الواحد.

ولذلك قال الله (عز وجل): {فَاتّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}، ويقول النبي (ص): “أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَة” قالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللّه، قَالَ: “إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَين”.

لذا علينا أن ننتبه لهذا الأمر ونسعى لإصلاح ذات البين وخاصة في شهر رمضان، لأنه قد يكون المسلم مؤديًا لفريضة الصيام على أكمل وجه، ومحافظًا على الصلوات وقيام الليل، والتعب بشتى القربات من قراءة قرآن وذكر وتسبيح واستغفار وغيرها، إلا أنه قاطع لرحمه ومعادٍ ومقاطع لأقربائه وأصدقائه وجيرانه ومعارفه، فيضيِّع بذلك أجر وثواب ما يفعل من طاعات في هذا الشهر الكريم، ولا يخرج منه إلا خاسرًا دون أن يشعر.

وهنا قد يتبادر إلى الذهن سؤال، وهو: هل الإمام (سلام الله عليه) يدعو للاجتماع وعدم الفرقة دائماً ولنفسيهما من دون نظر إلى الحقّ والباطل؟ حاشا أن يكون الإمام سلام الله عليه يريد ذلك؛ لأنّ الإمام أمير المؤمنين (ع) عدل القرآن، والقرآن يقول: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ}، وهذا معناه أنّ الأنبياء هم الذين صاروا سبباً لحدوث الاختلاف والفرقة في المجتمع ولكنّه اختلاف من أجل الحقّ، لأنّ الناس كانوا مجتمعين على الضلال والباطل.

فالوحدة من الفضائل ولكن إذا كانت في إطار الحقّ والفضيلة وليس في إطار الباطل والرذيلة.

ولذا قال الصادق (ع) لأحد أصحابه: “يا فضيل بلِّغ من لقيت من موالينا عنّا السلام، وقل لهم: إني أقول: إني لا أغني عنكم من الله شيئاً إلا بورع، فاحفظوا ألسنتكم، وكفّوا أيديكم، وعليكم بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين”.

فلابد من وضع خارطةٍ لأنفسنا، توضح لنا معالم الطريق نحو النجاة التي بها نسير إلى رضوان الله تعالى، لنقف من خلال هذه الخارطة على مواطن الضعف والخلل في أنفسنا فنتجنب أسبابهما، ونستشعر مواطن الخير فيها فننمي مصادرها، وبذلك ننجو بواسطة هذه الخريطة وهي وصية علي (ع)بعد توفيق الله تعالى وبحمده.

______
اللهم تب علينا حتى لا نعصيك وألهمنا الخير والعمل به وخشيتك بالليل والنهار، ما أبقيتنا يا رب العالمين..


error: المحتوي محمي