ذاكرة فكر

في مساء طويل ومع ظروف لا تشجع البتة عل كتابة مقالا كمقالاتي, فارتسمت الخيبة والإحباط على محياي, حيث لفحني القهر بقسوة خرافية وأنا أمام التلفاز, ولا أدري لن أجيد التعبير لأن عقلي مشغول هنا وهناك وطول الوقت يدق قلبي, ولا أدري لماذا أستكثر القهر والقلق على نفسي! حتى إن فنجان قهوتي قد نسيته في هذا الطقس من الأوضاع, فالحياة هي هكذا ولا يمكن للمرء أن يبقى حيث هو وينال كما يريد, إليك أن تستنتج ما شئت وعبثا أسترجع الملامح لكني أعي جيدا ما أكتب, وإن كانت هناك أماكن وأحداث وشخصيات عندما ألمحها ينقبض صدري, ولكن قلبي لا يزال يساير عقلي الذي أهلكه الواقع, العفو أيها القارئ لابتكاري مجازات قد تدهشك.

ذات قدر, الأرض كئيبة بعدما كانت ربيعا يضحك, والسماء شاحبة لا تكاد تتنفس وقد تلفظ أنفاسها وأتساءل يا ترى ما سر حزن الأرض؟عندما تكون أرض الوطن متعبة تزداد حاجتنا لأكتاف بعضنا البعض, كم من المفيد أن نتذكر أننا أحيانًا بحاجة لغيرنا, ربما يكون من الأفضل أحياناً أن ندع هذياننا يحلق بهدوء بعيدا عن فوضى الواقع, ربما من اللطف أن نعتز بكل ما مر بنا من لحظات عذبة حتى ولو كانت كمطر الصيف,فالمشاعر النبيلة تأبى إلا أن تكون حرة, وربما لا تستطيع خلاله أن تحجبها, المحبة والحب أحاسيس ربما أدركها فهي نوعا ما مستهلكة,ولكن ما يؤرقني هو هل يحق لنا أن نشعر بأكثر من الحب, أحيانا لا نستطيع التغلب على رغبتنا بالبوح,حيث أسعى جاهدة إلى الاحتفاظ بذاكرتي بعذب الكلمات لأستمر ! لابد من محاولة عناق شيء ما لنستمر.

لا استطيع أن اكتب شيئا عن الأم لأني أراها أكبر من ذلك أخاف أن أقصر بحقها, وهل يكفي الأم ما نكتب عنها,مهما كانت كلماتنا كالمطر أو كالعطر فالأم تستحق الأكثر. ما أقسى أن ندرك بعد رحيل الأم أننا لم نقوم بواجبنا تجاهها بعد. إن كلمة الأمومة إذا أردنا أن نبحث عن مرادف لها لن نجد سوى الألفاظ النبيلة, كحب حنان أمان عطاء و انه لا يوجد مشاعر و أحاسيس, مهما بلغت من تأجج و صدق أن يطلق عليها مثالية سوي مشاعر الأمومة, عندما أجلس مستعيدة شريط الذكريات متأملة كل تفاصيل حياتي اليومية, أجد نفسي حيال نموذج راقي المعاني فوق التصورات القاصرة.

أمي الحبيبة, سأكتب إليك قصة, تدور أحداثها حول بياض قلبك, وسأكتب إليك مسرحية لم ترفع ستارها عن قوة صبرك, سأكتب إليك يا أمي سطورا تشع بنور حبي وتقديسي إليك. أمي الحبيبة, يمكن لعشرات بل لمئات الأقلام أن تجف دون أن أعطيك و لو جزء بسيط من حقك علينا, و أن كل يوم أسمع فيه صوتك هو يوم عيد عندي, حبي واحترامي إليك يا أمي, و كل يوم و أنت دائما و أبدا أمي يا أمي.

لأول مرة تتوقف عندي كل الكلمات التي ادخرها لكل شيء وفي أي مكان, إلا أمام لقطة معبرة عن صدق الأمومة وإحساسها وعمق التعبير الذي يختلج في أعماقي, رسالة وأعلم أنها لن تصل للبعض الآن, لكنني وأنا أكتب لأنني أشعر, أنني أشيخُ إذا لم أرسل رسائلي لمن أحب أن تصل إليهم, لتبقى رسائلي مطروحة إلى حينه, وتبقى ذاكرة فكري في عمق الأسرار والتجول. أستأذنكم لأرتشف قهوتي التي نسيتها.


error: المحتوي محمي