في حديثنا الثاني عن المظاهر السلبية والتي تعكر أجواء شهر رمضان المبارك هي تلك الظاهرة التي لا نجد لها تفسيرًا ولا مبررًا ولا عذرًا؛ وهي السرعة الفائقة والمخيفة للسيارات قبل وبعد صلاة المغرب، وبالأخص من الحريصين على حضور صلاة الجماعة في المساجد لنيل المثوبة والجزاء من الله (سبحانه وتعالى).
ولا أدري أي توافق هذا الذي يكون بين رجاء المثوبة والقبول، وذلك المنظر وتلك الحالة التي نكون عليها جميعًا حين نتعارك بسياراتنا وسط الشوارع، فمرةً بالتسابق، وأخرى بالمعاندة، وثالثة بالإشارة لبعضنا بحركات غير مقبولة من داخل السيارات ممن هم للتو خارجين من المساجد ينشدون أن تنهاهم الصلاة عن الفحشاء والمنكر، والله أعلم ما الذي يقال من الكلام غير المسموع الذي مع إشارات الأيدي، وطبعًا لا يخلو يوم من وجود حوادث هنا وهناك، والسبب: لا شيء سوى اللحاق بمائدة الطعام والتي لن تفوت أصلاً علينا، بل إننا سوف نصل منازلنا وأهلنا لم يجهزوها أصلاً فهم أو هنَّ مشغولات بالصلاة أيضًا، فضلاً عن إعداد الأطباق المتنوعة لحضراتنا مما لذ وطاب، ولا نكاد نتذوق البعض منها حتى نتنحى جانباً بعد دقائق وقد شبعنا، فيستدرك البعض منا ربما ليقول ما الداعي لما فعلت في الشوارع للتو، هل فقط من أجل هذه اللقيمات والتي لن تطير عني، هذا إذا لم يكن قد تعطل ليلته كلها بسبب حادث ما كان ليكون لو استهدى بالله وقاد سيارته بهدوء في عودة حميدة لمنزله، وربما البعض لا يعود، لا سمح الله، فقد يكون في الطوارئ أو ما هو أعظم وأدهى وأفجع من ذلك، والسبب لقمة ولحمة وعظمة! في ظاهرة عجيبة غريبة فعلًا، هي بعيدة عما هو مندوب في هذا الشهر العظيم، وتحدث ممن يسعى فيه لنيل مرضاة ربه وغفرانه.
وإنني هنا بالمناسبة وفي لفتة أخرى لا أدري حقيقةً عن السر والسبب الشرعي المندوب والمستحب لأن تكون صلاتا العشائين بهذه السرعة الملفتة في أغلب المساجد، والتي أظن أن بعض المصلين وبالذات من كبار السن لا يمكنهم اللحاق بالإمام وأداء الصلاة بطمأنينة وسكون، وأنا هنا وأستغفر الله (عز وجل) ربي لا أنتقد أحدًا ولا الطريقة نفسها بشكل سلبي في الوقت الذي أصليها مأموناً كما الكثير غيري بنفس المنوال، ولكني فقط أثير السؤال ليطمئن قلبي والبعض من المؤمنين بمعرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك، خاصة إذا كان ذلك من باب الاستحباب مثلاً.
فالصلاة كانت في منطقتنا إلى عهد قريب، بل وإلى الآن وفي الكثير من مساجدنا تؤدى كما هي وبنوافلها المعتادة، بل ربما تأخذ وقتًا أطول إذا أضفنا إليها أن بعض المؤمنين يفضلون الإفطار قبل الصلاة على بعض التمر والماء كما هو المستحسن، ثم تبدأ الصلاة بكل سكينة وهدوء وتوجه، وبنوافلها وأدعيتها المعتادة، وربما يزاد عليها من أدعية شهر رمضان المعروفة، وهذا ما سمعته شخصيًا من أحد الفضلاء المعتد بهم في المنطقة والذي يؤكد أن هذه العادة لم تكن موجودة في منطقتنا من قبل، ويستشهد فضيلته على ذلك بأمثلة وبراهين عاصرها هو شخصيًا والكثير منا، لهذا نريد الحقيقة بتوضيح الأفضل ولا شيء غير ذلك.
لهذا نقول: إننا في هذا الشهر المبارك ننشد المثوبة، ونلتمس القبول، ونرجو قبل ذلك لأن يكون عملنا خالصاً لله تعالى، ولا يتم ذلك إلا من خلال إتقان الواجب والمفررض والمستحب والمندوب، وأن نبذل ونعمل ما هو أكثر وأقرب للقبول، وليتنا نفعل ذلك مثلما نفعل في صلاتي الظهرين من الأناة والهدوء والتوجّه، حيث تأخذ هاتين الصلاتين حقهما تمامًا بنوافلهما وأدعيتهما ولربما يضاف لذلك بعض الزيارات، فما الأسباب التي تجعلنا نعيش النقيضين ما بين الظهرين والعشائين؟
نلتقي..