رمضان كريم

كثيرًا ما نسمع هذين المفردتين تتراشقان علينا قرب هذا الشهر الكريم أو خلاله.

السؤال؛ لماذا نصف شهر رمضان بالكرم؟!! وما المقصود بها باطنًا وظاهرًا ؟!

الكرم والجود هو عطاء وبذل بلا مقابل، نصفه بهذا الوصف لأننا نعترف ولا أحد فينا ينكر كرم هذا الشهر المعنوي والروحي من صفاء النفس والإرادة، والمادي الجسدي، حيث كبح الغرائز الشهوانية والكفاح لصدها إن قمنا به على الوجه المطلوب طبعًا.

فهذا البعد الأخلاقي والتربوي لا يتحقق بكثرة السهر ومن ثم النوم، وكثرة الطبخ ومن ثم الأكل، وبعد هذا العناء كثرة الراحة والخمول والكسل والتعب الذهني قبل الجسدي وتغيير المزاج على النحو الأسوأ، حينها لن نشعر حقيقة بعمق وباطن كلمة “رمضان كريم”.

والأعمق من ذلك أيضًا هو شهر التسامح وغفران الذنوب، كيف لا وقد غُل فيه الشيطان غلًا، وكيف لا وشهر نزل فيه كتاب الله وخلقت فيه ليلة خير من ألف شهر وجعلت الملائكة تتنزل فيها بكل أمر جميل بإذن الله وجعلها سلامًا حتى المطلع ألا وهي ليلة القدر.

أي أن هناك آثارًا إيجابية لا يستهان بها في هذا الشهر وحده، وجوائز وأقدار كلها خير، وكمية من الطاقة ذات العلو والسمو يجب إدراك كنهها “اللهم اكتبنا من السعداء فيه ومن نال منك هداياه”.

وقد ورد في القرآن الكريم كلمة “شهر رمضان” مرة واحدة، ومفردة “الصوم” ١٣ مرة بين صوم واجب ومستحب، وبين صوم الطعام وصوم الكلام، وبيَّن الله جلا وعلا أن الصيام ليس فقط لنا بل لمن سبقونا أيضًا بمختلف الكتب السماوية، وكذلك المسيح، من حيث أصل الصوم والكف ولو اختلفت خصوصياته، وبيَّن لنا عظمة الصوم من خلال آياته مثل {إن تصوموا خير لكم}، أو إقران الصوم بالتقوى كقوله في ذيل الآية {لعلكم تتقون} وما إلى ذلك.

وهذا النداء الجميل من الله حين قال وعز من قال {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام}، حيث قال الصادق جعفر ابن محمد سلام الله عليه وعلى أهل البيت أجمع بما معناه “لذة هذا النداء تزيل تعب العبادة والعناء”.

كل ذلك الجمال الذي طرح في هذا الشهر وما زلنا نُكابر ونتكبر، نظلم ونتجبر، نُخطئ وننسى العشرة ونَقْهر، نجحد وننكر العطاء، نحتقر ونمارس كل أساليب قطع الصلات، نُسخر كل ما فينا من قوة لنجرح ونكسر قلوب لا تُجبر، ونُهشم مشاعر ولشأن من أحبونا نُصغر، ونجمع كل ما فينا من رمق كي نستعبد الضعيف من حولنا، نُهمش البعض، نستخدم سلطاتنا ضد من لا نألفه، نكره من بَدر منه خطأ يُغفر، نرفع أصواتنا تخويفًا لمن يقوم لأجلنا ويخدمنا ولا اتهم نوعًا واحدًا بل من كلا الجنسين ذكرًا وأنثى.

نقاتل كي نفوز بالموقف ونتنازل عن أشخاص كانوا قربنا وقت شدتنا، نغتاب، نأكل لحم بعضنا البعض حين الاختلاف، نكابر في البدء بالتصالح، نصد ولا نقبل الاعتذار من أصحابنا وذوينا، نظلم، نستمر في إغاظة بعضنا، نغدر، نطعن في بعضنا خفية، نتهامز ونتلامز، نتلذذ في إظهار مقدرتنا إصرارًا حين الغلبة ناسين العفو عند المقدرة، ومن هذا كله لا أبرئ نفسي.

كل ذلك في البعض وليس الكل، ففينا الصوامون القوامون ولله الحمد.

ناسين ومتناسين أن نبينا سُئل عن طريق مجابهة الشيطان، وأجاب: بل بدأ بأن الصيام يسود وجهه وكذلك ما روي عن النبي بأن هناك بابًا يدعى الريان لا يدخله سوى الصائمين، وقصد بذلك الصوم عن الأذى قبل صومنا عن الطعام من باب أولى، فأين نحن من ذلك كله؟!!

مع كل ذلك نجد الرسائل الإلكترونية تنزل كالمطر مفادها طلب السماح ولا تسامح، طلب رفع الظلم والندم والاعتذار ولا جواب، رجاءً للعفو والتغافل لبقاء الود ولا غفران.

بعد كل ذلك هل نحن نصوم شهر رمضان؟!! وهل نشعر بكرم رمضان الظاهري والباطني؟!!

اللهم صل على محمد وآل محمد ما اتصل الليل بالنهار واجعلنا اللهم ممن ناديتهم وقلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} صدق الله العظيم.


error: المحتوي محمي