النزعة الإقصائية: ثقافة أم جهل مركب؟

للشاعر الفذ الشهير إيليا أبو ماضي أبيات جميلة يقول فيها:

يا أخي..
لا تمل بوجهك عني
ما أنا فحمة ولا أنت فرقدْ
أنت مثلي من الثرى وإليه..
فلماذا يا صاحبي التيهُ والصّدْ

الإقصاء والتهميش لم يكن يوماً من الأيام ثقافة، فالثقافة وعي ورقي، والتهميش آفة سوءٍ بل من أسوأ الآفات التي عانى ولايزال يعاني منها المجتمع صغيراً كان أو كبيراً وهي نوع من التفكير السلبي غير المنطقي الذي يتم من خلاله تشويه صورة الآخر بقصد إقصائه ومحاولة التقليل من شأنه خصوصاً من الذين لا تتطابق وجهات نظرهم مع وجهات نظره ومواقفة وآراءه.

أصحاب هذه العقلية دائماً ما يسعون بطريقة أو بأخرى إلى إبعاد الآخر وتجاهله وعدم النظر إليه مهما كانت صحة مواقفة وأقواله، وربما كانوا يجهلون صحة الرأي الآخر ويجهلون أنهم يجهلون.

ويمكن رصد هذه العقلية الإقصائية للأسف الشديد حتى داخل الأسرة الواحدة من حيث التفرقة في معاملة الوالدين لأبنائهم.

وكذلك نجدها تمارس من قبل بعض أفراد المجتمع على فئة المعاقين من خلال عدم إعطائهم الاهتمام المناسب وعدم مراعاة الحاجات الخاصة بهم وبالتالي يكون المجتمع هو سبب الإعاقة بمعنى أن المجتمع هو المعوّق من خلال منعهم من الاشتراك في فعاليات وأنشطة وخبرات الحياة اليومية.

ونجدها حتى بين الأوساط المتدينة أو بمعنى أصح التي تدّعي التدين لأنهم يتعاملون مع الدين لأجل مصالحهم الخاصة وذلك لأن التدين عندهم عادة لا عبادة.

حتى الأوساط الرياضية لا تخلو من هذا المرض الفتّاك حتى داخل النادي الواحد نفسه بسبب التعصب الأعمى والانحياز لفئة أو جماعة معينة وإقصاء الأخرى حتى لو كان على حساب ضياع النادي نفسه.

وهذه العقلية الإقصائية المريضة غالباً ما تمارس من دون رادع ديني أو أخلاقي بل قد يصل بهم الأمر إلى اتهام الآخر وتخوينه بهدف إسقاطه.

والإنسان الإقصائي هو شخص أحادي التفكير ويعتقد دائماً أنه على صواب والآخر على خطأ فإما أن تكون معي أو أنك ضدي خصوصاً إذا رفض الآخرون الانصياع لتفكيره الضيق ويعمل دائماً على التشكيك في نواياهم والتقليل من شأنهم.

والعقلية الإقصائية مرض اجتماعي يصيب بعض الأشخاص بالتطبع أو التربية والتوجيه العائلي.

ومعالجة هذه الآفة الاجتماعية تتطلب منا أن نربي أطفالنا منذ الصغر على التعايش مع من حولهم وحثهم على احترام آراء الآخرين حتى لو كانت مخالفة لآرائهم دون تسفيه أو تحقير، وبهذا نضمن تخريج أجيال تقدس الحرية الفردية وتحترم عقلها وتحتكم إليه في اتخاذ قراراتها، كما أن عدم الالتفات ناجع جداً في مواجهة مثل هذا النمط الإقصائي ومواصلة التقدم نحو الأهداف السامية، والاشتغال بنمو الذات وتطورها، وعدم التوقف للرد.


error: المحتوي محمي