الوهم الجميل

لا يأخذكم الغرور

جميعنا تمتلئ نفوسنا بالعيوب كلنا بلا استثناء، لكن بالمقابل لكل شخص فينا مزايا وفضيلة ما أو أكثر، وما نعتقد أنه عيب أو ضرر من شخص نقابله في حياتنا قد يولد فينا منقبة مميزة أو منافع.
…..
أعطاها الكتاب وكراسة بعد أن عرض عليها أن تكتب موضوعًا تختاره بنفسها كخطوة أولية للتدريب على الواجب، كان قلبها خاليًا خلو قلب أم موسى، حين قرأت تلك المقالات والأشعار التي تضمنها الكتاب لاحظت؛ كم هي جميلة تلك العبارات التي قرأتها، مثل هذين البيتين: “أمر على الديار ديار ليلى أقبل ذا الجدار وذا الجدار… وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار”.

فكرت؛ هل يمكن أن نصل إلى حدود الحقيقة التي يتغنى بها الشعراء بكلماتهم الرقيقة، إنها بعيدة جدًا عن ذلك العالم، لكنها أثارت في نفسها مشاعر أولية، لعله خيال أو حاجة بشرية أوجد الله مكنونها في النفوس لاستمرار الحياة الاجتماعية وما شابه.

بدأت الكتابة وكأنها تُؤَدِّي واجب رياضيات، وحاولت أن تلتقط الكلمات من هنا وهناك، من تلك الكتيبات المتناثرة في ذلك الزمان، كي تُكوُّن موضوعها.

حين رأى العبارات الظريفة التي تشكلت قال لها: “اكتبي ما بنفسك لا تنقلي الكلام هكذا”، الحقيقة كان معلمها الأول في مادة الإنشاء.

هكذا عرفت أن هناك مشاعر لم تمتلكها ولم ترغب أن تعرفها بعد، وتعلمت أن هناك شيئًا اسمه حب موجود بين سطور الكتب.

بسذاجة حدث عندها تحدٍ، فقالت في نفسها: لن يكون قيس وليلى وقصتهما الملقاة على أحد الرفوف هناك أقوى قصة حب بعد الآن.

“لا يأخذكم الظن بعيدًا، حتى الآن كان الهدف مجرد إنشاء موضوع تعبير”

فيما بعد…
أحبت بحق، وبصدق، وذلك التحدي القصصي انعكس على حياتها، كانت تعيش فعلًا مشاعر قوية جعلتها تكافح كي تكون في القمة لكل ما يمكنها تحقيقه من أجل الحب الذي صقل شخصيتها وطموحها؛ كي تُسعد من تحب وتحقق ما تعتقد أنه الأفضل لهم، بل أعمق من ذلك ما يجعلهم يحققون السعادة التي وعد الله بها عباده حين يسيرون على نهجه القويم.

كانت تؤمن أن تطبيق ذلك ممكن بالحب والإيمان معًا، إذ كان الحب المحور الذي تدور حوله، وكان الإيمان سياجًا يحيط بتلك الدائرة الَّتِي ترَكَّزَ فِيهَا عمَلهَا والتي انطلقتْ منها للحياة، لكن هذا الحب ربما جعلها تنظر للحياة من زاوية واحدة.

جلست على المكتب تؤدي عملها، دون مقدمات، قالت لها زميلتها: “أنتِ تبنين حياتك على الثقة المطلقة وهذا لا وجود له”، تأملت فيها لحظات باستغراب ثم لم تعر الأمر اهتمامًا.

الحقيقة، كانت تمتلك ثقة جميلة في كل الوجود، رغم كل العثرات الصغيرة التي تصادفها في كل مكان في ذات نفسها وفي الحياة وفي الحب أيضًا، كانت تعتقد أن الحب يكون صورة مقابل صورة، صدقًا وإخلاصًا وإيمانًا.

لكن سرعان ما اتضح لها أنه مجرد صورة وانعكاسها، هذا إن كانت تلك الصورة المموهة انعكاسًا للصورة أصلًا، في الواقع، لم يكن هناك شيء مقابل لحبها، لكن الشعور بالجمال المتعلق به كان يحفزها للعمل والحياة والانطلاق، إنه عطاء مميز حين نؤمن به ونمجده، كما كان أيضًا غشاء جعلها تغفل عن رؤية الحقائق كما هي.

تلك هي الحكاية التي انتهت حين تمزقت أوراقها، وتناثرت الذكريات منها هباءً منثورا.

مهلا؛ هناك ورقة منزوية في مكان ما، كل شيء قد انتهى فعلًا، فقط؛ بقايا علاقة وورقة لا تعلم كيف صارت في يدها، ألقت عليها نظرة خاطفة، وتعجبت مما بها.

قالت: “لم أعرف أنها منك”، قرأتها بصوت عالٍ فإذا ضمن كلماتها وعدٌ منه قبل سنوات طويلة أنه لن يؤذيها أبدًا!

تلك الكلمات؟؟ (لا تذكر حتى إن كانت قرأتها، ربما كانت أصغر من أن تفهم معنى الأذى أو أن تتخيل أن هناك أذى في الحياة فعلًا، لهذا لم تلفت انتباهها).

كان ذلك كثيرًا عليها، لهذا؛ رغم نهاية كل شيء وكل الكلام بينهم، قالت له مستنكرة: ‘شاء الله أن أقرأها وقد مزقتني ألمًا بالفعل، أهذا أنت كتبته لي؟؟”، قال: “نعم وأنا أعنيه”.

لم ترغب في مزيد من التفكير في الأمر، فقط قالت لنفسها: “ربما هو لم يكذب، لكنه لم يقدم لي إلا الوهمُ الجميل”.


error: المحتوي محمي