دون الحديث عن التاريخ القريب للقطيف يوم كانت مساحتها من ميناء العقير جنوبًا إلى خور بلبول شمالًا، فهي مدينة تحتل موقعًا مميزًا بين مدن مهمة وبإمكانها أن تلعب دورًا محوريًا يعزز مكانة المنطقة الشرقية والمملكة ككل، فما تتمتع به القطيف ليس موجودًا في الدمام والخبر أو الجبيل على سبيل المثال، لذا تحتاج القطيف إلى إزالة عقلية التعامل معها وكأنها قرية صغيرة كي يكون التخطيط الحضري والأداء البلدي على قدر المدينة وموقعها، وأن تكون الرؤية قادرة على ربط القطيف تنمويًا وتكامليًا مع هذه المدن لتعزيز التكامل بين منظومة مدن المنطقة الشرقية.
بعد مشاهدة العديد من المناشدات ومقاطع الفيديو، جربت قبل أيام (وآمل أن يجربها أيضًا بعض مسؤولي البلدية والمجلس البلدي أيضًا) عبور شارع أُحد بالقرب من البحاري مشيًا على الأقدام واكتشفت عمليًا صعوبة هذا الأمر حتى للأصحاء العاديين، وتذكرت حال كبار السن من النساء والرجال والأطفال والمعاقين وفاقدي نعمة البصر الذين يحتاجون لعبور هذا الشارع عدة مرات في اليوم الواحد، وأعتقد أن التجربة الشخصية ستغني عن كثير من الشرح والتفصيل في هذا الأمر.
بعيدًا عن الأسباب والحاجة المجتمعية التي يفرضها الواقع والنظام أيضًا، سأتحدث بلغة افترض أن إدارة الاستثمار ببلدية القطيف تتقنها جيدًا، فحتى بافتراض (جدلاً) أن لا حاجة فعلية للناس، إلا أن إنشاء جسور مشاة حول المربع الذهبي الذي يمثل وسط المدينة وهو الجزء الممتد من شارع أحد من جهة الشمال إلى شارع القدس شرقًا، ومن شارع الرياض جنوبًا إلى شارع المحيط غرباً، هو مشروع بمواصفات استثمارية مثالية للبلدية أو أي مستثمر آخر، فهو منخفض التكلفة مرتفع العائد منعدم المخاطر، ولا يحتاج رأس مال، وبإمكانه أن يكون المصدر رقم واحد للإيرادات الاستثمارية للبلدية، وسوق الإعلان وتجربة الأمانات الأخرى تشهد بذلك.
إنني وبالرغم من أن اللغة الاستثمارية تصب تمامًا في صالح فكرة إنشاء جسور للمشاة في القطيف، إلا أنني أيضًا أؤكد على ضرورة أن تكون الدوافع للبلدية في إنشاء جسور المشاة وغيرها هي خدمة المجتمع التي هي مكلفة أساساً بخدمته أولًا، وهذا يعني عمليًا البدء بتأسيس التنظيم الإداري على أساس مصلحة الناس كعنوان لإدارات البلدية المختلفة، فالطرق وجسور المشاة والأسواق والحدائق والتنمية -وليس ضبطها- هي التي يجب أن تتصدر الهيكل التنظيمي للبلدية، إضافة إلى البيئة والنظافة اللتين فقدتا الكثير من ارتباط الاسم بالمسمى بسبب التشعب وضعف التنظيم الإداري.
إن مطلب إنشاء جسور للمشاة هو مطلب صغير جدًا لكنه يلبي حاجة للناس وهي أصبحت الآن مع مضي الوقت عاجلة جداً، وهذا المطلب يعطي للمدينة بعدًا تنظيميًا آخر على مستوى التطور.
آمل ألا يكون هذا المطلب البسيط جدًا صعبًا على بلدية القطيف، فهي استعدت وافتتحت أول جهودها للتحول إلى أمانة ببناء أكبر مبنى بالمحافظة ليكون مقرًا لها قبل أن تنتهي دراسة التحوّل للأمانة والتي يعكف عليها المجلس البلدي.