كلنا مسؤولون

يرى البعض من الناس أن حياة رجال الأعمال، أو ميسوري الحال وردية مطلقاً، بحيث يستطيعون تلبية احتياجاتهم، واحتياجات الآخرين – فورًا – مهما عظمت، بل يرى آخرون أنهم حق عام للجميع؛ ينبغي أن يستثمره الكل بالمجان، وما عليهم سوى الامتثال والطاعة، ناسين أو متناسين أن البحيرات تجف كثيرًا في العصر الحديث إذا تعرضت لتغيرات مناخية، أو لسوء استخدام في المياه، فكيف يكون الحال إذا أساء رجال الأعمال استخدام المال بقصد أو بدونه؟! وكيف تكون الصورة إذا حدثت عقبات لم تكن في الحسبان، ولم يكن لهم يد فيها، وأبى القدر أن يكون لهم مسالمًا؟!

يلقي جل الناس الكثير من المسؤوليات، والمهام الإنسانية، والخدمات الاجتماعية على كاهل رجال الأعمال؛ لأنهم الأقدر ماليًا، والأوجه مكانة، والأقوى نفوذًا، وهذا القول صحيح إلا أنه غير مطلق، فالناس المتنصلون من مهامهم الاجتماعية تحت مظلة الدخل المحدود والحاجة جُلّهم مستطيعون للدفع؛ لكن البخل الذي أدار قلوبهم جعل لا مبالاتهم بمن حولهم غير محدودة.

وعليه؛ يحق لذوي الدخل المحدود السفر كيف يشاؤون، وتمتيع أسرهم بما لذ وطاب، والسكنى بأرقى الأماكن، واللهو واللعب، ولا دخل لأحد في ذلك، في حين أن لهم الحق في تقييم نفقات الآخرين من ميسوري الحال حسب وجهات نظرهم، ووضع رجال الأعمال تحت المشرحة، وإصدار الأحكام اعتباطًا، ونشرها في المجتمعات؛ عوضًا عن تكريمهم بما يليق بأدوارهم في الحياة، فنحن أمة لا تكرّم إلا الموتى.

لو تكفّل كل فرد في المجتمع بواجبه الأسري، والعائلي، والاجتماعي تمامًا لما وجدنا فقيرًا قط، بل لو أخرجنا الحقوق الشرعية من أموالنا، وأوصلناها للمستحقين فعلاً – بعد دراسة موضوعية واستقصاء – ما كان هناك احتياج اجتماعي إلا نادرًا.

إن إهمال الأغلبية لواجباتهم الشرعية والإنسانية أدى إلى وجود حالات احتياج متعددة في مختلف الأزمنة والأمكنة، وهذا بطبعه حمّل رجال الأعمال مسؤوليات عظمى؛ لا يستشعرها إلا هم أو من يلوذ بهم.

إن جلوس ليلة واحدة عند بعض رجال الأعمال تكفي لمعرفة حجم المسؤوليات والمهام الملقاة عليهم، وبالتالي نكون على بينة تامة بأدوارهم في الحياة؛ لنكونَ منصفين لهم في الأحكام لاحقًا.

من الظلم البيّن الحكم على فعل ما دون معرفة حيثياته التامة؛ لأن الكثير من الأحداث تكون قيد الكتمان والسرية، تمنع بعض الناس من البوح بتفاصيلها.

أحيانا كثيرة يكون كتمان الأمر أكمل قيمة وأجل قدرًا من إشهاره؛ لأن كرامة المؤمن أكرم عند الله من أستار الكعبة.

وعليه؛ نستطيع القول: إن المجتمع بأسره، وباختلاف إمكاناته، ومصادر دخله، مسؤول مسؤولية مباشرة عن احتياجات أفراده دون استثناء، ولو قام بمسؤولياته كاملة لما احتجنا إلى رجال الأعمال، أو سواهم، في تغطية الاحتياجات – وإن عظمت – إلا بالقدر اليسير.

رجال الأعمال شريحة اجتماعية فاعلة لها أدوارها المتعددة، ومسؤولياتها الخاصة والعامة، وتنقسم إلى ثلاث فئات: منهم الرساليون الذين نذروا أنفسهم لله وللخير وللمجتمع، ومنهم الواقعيون الذين يخضعون عطاءاتهم للمنطق، والعقل، والشارع المقدس، ومنهم المقترون الذين لا يَرَوْن للآخر حقًّا في أموالهم؛ لأنهم جمعوها بعرق جبينهم وتعب أبدانهم سنين متعددة. ولسنا في صدد تقييم الفئات ولا بيان أسباب الفعل، فالثقافة، والتربية، والأصالة، والقيم، والقناعات، والتجارب الخاصة، فضلًا عن يقظة الضمير الإنساني، تلعب دورها كثيرًا في هذا المجال.


error: المحتوي محمي