حوكمة عبادتي

يمر شهر رجب العبادي مملوءًا بأعمال وأدعية وصيام وقيام وقرب من الله تعالى لأجل كسب الثواب ونتيجته الواقعية هي تنمية النفس على الطاعة لله والابتعاد عن معاصيه فكلما انشغلتَ بالعبادة له سبحانه ابتعدتَ عن حبائل الشيطان كما نراه بمضمون الآية الشريفة “إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ”.
فهل حققنا تقدمًا خلال هذا الشهر الأصب والذي تُصبُّ فيه الرحمة على العباد صبًا؟ وهل تقدمت نفوسنا أكثر من الله وتحسنت مع الناس وأصلحت النفس عيوبها التي تشغلها عن ربها أم أننا صرفنا وقتًا طويلًا في العبادة وقاسمناها الغيبة والبهتان والتهكم على الناس وتسقيطهم؟
هل انتهى الشهر المبارك وقد ارتفعت نفوسنا درجات من التقوى والصلاح وأصبحت العبادة له سبحانه أكثر التذاذًا وراحة؟
“وجعلت قرة عيني في الصلاة” أم مازلنا نصارع أنفسنا الطاعة له وكأننا نُجر إليها جرًا؟
هل أصبحت صلاتنا وأخلاقنا وأماناتنا وعهودنا أفضل أم مازالت بصورتها السابقة دون حراك ودون تقدم ودون تصحيح أو وعي؟
الحوكمة تعني مراجعة نظام عبادتي ودقته ومراقبة سير العمل للحصول على أفضل النتائج فقد تكون صلاتنا غافلة عن الله وقد يكون صيامنا مملوءًا بالتبعية والعادة مادام أكثر الناس يصومون فنصوم معهم دون أن نستشعر في مضمون الصيام الرغبة في تنمية النفس وحثها على أن ترتفع درجات من التقوى والالتزام.
عندما أبحث عن سر شعوري بعدم الرغبة إلى النظر إلى ربي والتمعن في العمل المقرب إليه، بينما أسير في صور عامة يعملها الناس قد لا تكون هي الصورة الأنسب للحصول على أفضل النتائج.

هنا تأتي التوجيهات الشرعية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّه} وأيضًا: “من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر” وغيرها مما تشير إلى معنى جميل هي معنى الحوكمة للعمل الذي يجعل النفس قريبة من الله.

“اللهم إني كلما قلت قد تهيأت وتعبأت وقمت للصلاة بين يديك وناجيتك، ألقيت علي نعاسًا إذا أنا صليت، وسلبتني مناجاتك إذا أنا ناجيت!”..
لنراجع صلاتنا لنعرف من خلالها نقاط الضعف في عدم إعطائها نتائج النهي عن الفحشاء، وعن رغبة النفس في عمل المنكر والتهاون في اقتراف المعصية لاسيما ما تنساق به النفس مع الهوى والغريزة.

لأحاكم صومي لأعرف سبب تركي للأكل والشرب وعدم تركي للغيبة والبهتان ولنحاكم ذممنا التي لا تقبل أن تسرق قارورة ماء بينما تتوانى في رد دين لشخص أعاننا وقت حاجتنا ونتوارى عنه عندما يتوجب علينا إرجاع ماله إليه.
بل الأسوأ أن نبادر إلى الحج والعمرة وننسى ديون الناس ونبحث عن طريق شرعي لتصحيح حجنا.
إننا بحاجة إلى أن نحاسب عبادتنا بمنطق الحوكمة لنصحح علاقة النفس معها أو نتفهم موقع الخلل الذي أغفلنا عن طريق الارتباط به سبحانه.

بل لنتعرف من خلال عبادتنا على نقطة الانفصال بين العبادة ونتائجها وأين يقع الخلل في الصلاة التي أؤديها بفقدانها لسبل التأثير أم أنها بحاجة إلى وصلة أخرى تفتقدها النفس كالشعور بالله سبحانه.

“..أو لعلك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني! أو لعلك رأيتني آلف مجالس البطالين فبيني وبينهم خليتني! أو لعلك لم تحب أن تسمع دعائي فباعدتني!..”
قم بحوكمة عبادتك إذا لم تشعر بأثر العبادة.


error: المحتوي محمي