بعد أن قرأ «شيء من الرقص».. تأخُّر العبادي يُقابل باللّوم وعدم الغفران

احتفى منتدى الثلاثاء الثقافي بالتعاون مع ملتقى حروف الأدبي هذا الأسبوع بتجربة الشاعر شفيق العبادي بمناسبة صدور ديوانه “شيء يشبه الرقص” في أمسية أدبية حافلة، وذلك مساء الثلاثاء 26 رجب 1440هـ.

وأدار الأمسية الشاعر محمد الماجد، وشارك فيها أربعة شعراء من مجايلي المحتفى به بشهاداتهم وهم: جاسم الصحيح، ومحمد الحرز، ومحسن الشبركة، وحبيب محمود.

وافتتح الماجد الأمسية الشعرية بالتعريف بفارس الأمسية الشاعر شفيق العبادي المولود بجزيرة تاروت عام 1964م، وبيّن أنه عضو مؤسس لملتقى الغدير الثقافي، وترجم له العديد من الكتب والموسوعات الأدبية المختصة، كما حكم عدداً من المسابقات الشعرية ورأس لجنة تحكيم جائزة القطيف للإبداع على مستوى الشعر، وله ديوان آخر تحت الطبع، مختتماً تقديمه بمقطوعة شعرية معبرة عن عمق الرفقة بينه وبين المحتفى به.

وفي البدء أطل الشاعر العبادي بنص نثري “سيرة ذاتية” يحكي فترة بدايات التفتح واليفاعة بالقول: “كان من الممكن أن تصبح عابر طفولة كأسلافك في استعجال تركهم المكان شاغراً لورقة أخرى في شجرة العائلة.. لولا حنكة القابلة التي أرضعتك جرعة ضوء”، بعدها أخذ الشاعر الحضور بعشر مقطوعات صداحة منها قصيدة عنوانها “الشاعر” جاء في مطلعها:

لا تلتفت (كالنبع) سر نحو المصب وقف متى عثر الطريق بهم هناك

في مطلع الأشياء ثمة بركة للضوء مشرعة الجهات فخذ لوجهتك الخيرة بعض حيرتها

ولا تسرف لئلا يعتريك بها يقين الحائرين فلا تراك

يكفيك من غيم القصيدة زخة المعنى تبل بها غليل الشعر

كي تلد الحروف معينها

ومن قصيدة “تمثلت تساؤلات الذات عن ماضيها” قال:

ما خانني الشوط لكن جئت أسألني

أما تزال دروب الأمس تعرفني..

أما تزال العصافير التي عبرت

جناحها فوق أوراقي وفي فنني

قصائداً فاض من ناياتها وطن

من الغزالات حتى الآن يسكنني

مازال يوقظ في الخمسين نورسها

شراعه نازفاً تغريبة المدن..

وجاء في مقطوعته “بنفسجة الحزن”:

سلام على الشوك إذ يجرح الدرب دن التفات إلى لوعة المنحنى

سلام على ذكريات الجدار الذي حبلت ضفتاه بما فاض من كأسنا

******

سلام على تينة الدار حين توارب ظل البنفسج كي يتقي ظلنا

سلام عليك وأنت ترشين عطر الهوى في فؤاد شكاه الضنى

وعن ذاكرة الزمن التي حملت عنوان “شيخ الرواة” قال:

ما زلت يا شيخ الرواة

تملي وتكتب ما تفيض به الحياة..

وتنوش عن جمر الحكايات التي انعقدت بعيداً في جدار الصمت

ألف تميمة للماء كي يتدفق اللهب الفرات

وتفتش الأيام عن أطلال سحنتها لعلك تستثير سماءها قمراً

غرست يراعه شوطاً بمحبرة الحداة

فانداح من مطر الحكايا نهر أغنية

نطاف جرارها للآن يحتضن الجهات

****

يا زهرة الأسرار ما انفرجت سرائرها الغريقة نفثة

إلا على ذئب وشاة

ماذا ستروي حين تفضح غيمة الذكرى بصدرك

أيها الزمن الموارب، أو يفيض صباحها يوماً إذا انقشع السبات

بعد هذه الجولة قدم الشاعر جاسم الصحيح شهادته عن المحتفى به بقوله: إن بيتاً من شعر العبادي كان هو المأذون الذي عقد قرانه مع شعر العبادي، مضيفاً أنه ليس مجازاً أن جميع قصائده أشهر عسلية بين شعره وذائقتي، فقد دخل القلب من أجمل وأصدق أبوابه منذ ثلاثين عاماً.

ثم أعقبه الشاعر محمد الحرز بقوله: عرفته شاعراً لا يفتح باباً إلاّ ويشار إلى ما في يديه من جمال، وهو ابن تاروت الغاطس في زرقة بحرها ومناخاة قصيدته مصغية للبحر ولكنه إصغاء يشبه سكون الصحراء وهدوءها فهذه الشاعرية المتخلقة من هذا التوتر هي إحدى أهم ميزات الصديق العبادي.

أما الشاعر السيد محسن الشبركة فسجل في شهادته بالقول إنه استطاع على الدوام أن يطوّع المفردات، فمنذ البدء كان موهبة شعرية صافية مصحوبة بحس موسيقي مع حفر وتنقيب في المعنى متفرداً في القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة، وفي شهادة الإعلامي حبيب محمود قال: “إننا تابعنا شعر شفيق في وريقات تبادلناها بخط يده وأصغينا إليه في أشرطة الكاسيت وفي الأمسيات فكان شعره حياً ندياً وهو نجم بين شعراء القطيف من جيل الثمانينيات”، وتابع: “لا يحق لنا أن نغفر لشفيق تأخره في طباعة أسفاره، لكن علينا أن نحبه لأنه شفيق العبادي.

وعاد العبادي إلى إلقاء بعضًا من شعره قائلًا:

بيني وبينك صخرتان وجدول ولهاث سنبلة تئن ومنجل

يا حارس الغيم الندي جراره كسرت وعز على الظباء المنهل

يا سادن الطين القديم تناثرت شرفاته وعفى الزمان الأول

لازال يرعى من قطيع شموسها بحراً نوارسه الطيوف الرحل

وقال في مقطوعته “صديقي الذي خانني”:

صديقي الذي خانني عند مفترق البوح

ألفيته صدفة أمس

بين قصاصات عمري

يهش قطيعاً من الكلمات التي

كنت أعتقها نورساً

كلما اشتاق للموج بحري

تهيجته خلسة من وراء مداراته (قمرا)

تاه في سفر من محاق السنين

بما علقته الحداة بجدرانه من تمائم

يفصدن ثوب المساء ولا زال يحمل قافية الصلب

(فاصلة) فوق ظهري

وفي عمودية لأحد المعلمين جاء فيها:

كبرنا وما زالت ملامحك التي تخط مراياها طفولتنا الأغلى

تصب بلوح العمر ذكراك كلما تعثر فينا العمر تبتكر الحلا

كثيرون هم مروا خفافاً بغيمها وما أعقبوا غيثاً ولا أحدثوا طلا

فما كنت حرفا عابراً في سطورها لتمحى ولا وصل ليلتمس الوصلا

بعد ذلك أدار الشاعر الماجد دفة الحوار والمداخلات مع العبادي والتي بدأت بتساؤل حول ما تعنيه مفردات الطفل والبحر والمرأة لديه باعتبارها عصب الكتابة عنده، فأجاب الشاعر العبادي بإضافة مفردتي النورس والنخيل أنه يوظّف هذه المفردات لأغراض المجاز والتعبير فهي المعادل الطبيعي للقصيدة.

وحول تفسير تدرجه الزمني للكتابة بالأشكال الشعرية من عمودية إلى تفعيلة ثم نثر قال إنه لا طائل من الجدل في أشكال الكتابة وأنه ينتصر لأي شكل يقدم روعة القصيد ومعانيها.

وحول انطباعه عن القطيف كحاضن ثقافي ذكر أن نبرة الزهو بالثقافة في القطيف لم تأت من فراغ فهي تتوسد تاريخاً كبيراً من الأدب والثقافة وهي بحاجة إلى المزيد من مراكمة العطاء الثقافي والفكري.

وعرّج الفنان محمد المصلي على تصحيح معلومة تاريخية حول قلعة وحمام تاروت بأنهما من صنع تاروتي وما دور البرتغاليين أو الأتراك فيهما إلاّ التجديد والترميم، وتحدث عن تجربته مع الشاعر العبادي ضمن نشاط نادي الهدى الثقافي.

وأشاد اللواء – متقاعد – عبدالله البوشي بمستوى فارس الأمسية والمقدم وأنهما حلّقا شعرًا وأدبًا وجمالًا، فيما وجّه الدكتور أحمد سماحة لوماً للشاعر العبادي لعدم تواصله بمشاركات مع صحيفة اليوم الثقافي وتأخره في إصدراراته الشعرية، فيما تساءل الأستاذ فوزي الدهان عن سر هروب الشعراء في العادة عن الافصاح بمرئياتهم وقناعاتهم بمستوى مبالغ فيه.

وتساءل أحمد الخميس عن مسار تطور تجربة العبادي الشعرية وعن تأثره برواد الحداثة، كما عقب حبيب محمود من ذاكرته بأن تسرّب شعر الحداثة وسط ثلة ملتقى الغدير في منتصف الثمانينيات وتأثر الشاعر العبادي بها يعود الفضل فيه لبعض زملاء الملتقى، مصححاً أن حبيب كان من المتأثرين أيضاً وليس له فضل في ذلك، وتساءل أيضًا عبدالرؤوف أبو زيد عن مدى تخلي الشاعر العبادي عن شعره القديم واكتفائه بالجديد، كما نبّه علي قمبر لخصوبة فترة الثمانينيات الشعرية داعياً معلمي المدارس للاهتمام بإنتاج جيل جديد من الشعراء.

وصاحب الأمسية ثلاث فعاليات شملت المعرض التشكيلي للفنانة منى النزهة التي تحدثت حول مراحل تجربتها الفنية وعن مرسم فنانات المنطقة الشرقية بالدمام ودوره في تفعيل الفن المجتمعي، كما تم تكريم الطالبة حوراء آل خيري كنموذج للشخصية متعددة المواهب من كتابة الشعر إلى التلحين والتمثيل والمونتاج حيث تحدثت عن تشكل تجربتها وتطلعاتها للجمع بين التخصص الأكاديمي واستمرارية العمل الفني.

وشملت الفقرات تعريفًا بمبادرة “بر الوالدين” التي انطلقت بمناسبة يوم الأم العالمي عام 2013م وسجلت في جمعية العمل التطوعي حيث عرّف أبو زيد بفكرة المبادرة وأهدافها الاجتماعية وكذلك الأنشطة المعززة للبر بالوالدين.

وفي النهاية تفضل ضيف شرف الندوة عضو الهيئة الاستشارية للمنتدى الكاتب ميرزا الخويلدي بتسليم المشاركين دروع المنتدى التقديرية.


error: المحتوي محمي