العلاقة الزوجية الناجحة ارتباط بين روحين تجمعهما محبة وتفاهم وانسجام وتعاون، وليس ذاك من مخترعات المدينة الفاضلة المشيرة إلى حياة مثالية، تترى فيها الابتسامة والسعادة دون تخلل المنغصات والمناكفات ولحظات التأزم، ولكنها تطلع وآمال تحذو بطرفين لخوض غمار حياة مشتركة دعائمها الاستقرار والانجذاب للآخر، فهناك عمل لتذويب الفروقات ومعالجة نقاط الاختلاف وشعور بالآخر في تطلعاته وهمومه، وصولًا لانجذاب الأرواح والأنس بقربها.
ومن وصف الزواج بالمشروع الفاشل في أهدافه وغاياته، وانحدر به إلى الحصيلة المادية منه وإبقاء النسل فهو واهم، إذ إن الخلافات والمشاحنات ليست حكرًا على العلاقة الزوجية بل هي نتيجة حتمية لتفلت الأعصاب والاستجابة الانفعالية لضغوط الحياة، أو نتيجة لطبيعة شخصية الفرد المتسمة بالغرور والأنانية وتبلد الأحاسيس والنكد والغيرة الزائدة، وغيرها من الصفات التي تشكل موانع الوئام الزوجي إن لم يعمل صاحبها للتزحزح عنها والتخلص منها، فأي سعادة واستقرار يمكن أن يبنى مع شخص لا يرى ولا يعرف إلا تلبية احتياجاته ومصالحه، بينما يتقاعس عن مد جسور الثقة والتعاون المتبادل مع شريك حياته ووجهه الآخر، من الطبيعي أن فعله المتهور يقابله الآخر بردة فعل أقل ما يقال عنها بالردة العنيفة التوتيرية، فماذا تتوقع من شخص يجرح في مشاعره ولا يبالى بوجوده، فالتعالي يقتل كل ود وتذبل معه زهرة الحب.
مع أول صرخة ونبرة صوت عالٍ تنتاب الطرف الآخر موجة مشاعر مشوشة، وتنحسر مع تكرارها رقعة المودة والانجذاب بعد أن تعلو نسبة الجفاف العاطفي، وبالطبع فإن اختلاف وجهات النظر والتطلعات وطبيعة الشخصيات تفرض وجودها في إفراز آراء غير متطابقة، وذاك يمكن معالجة موارد التباين فيه بالحوار والتفاهم والتسامح والتنازل بشيء من قبل الطرفين، حتى يمكنهما الوصول إلى رؤى مشتركة، وغير المقبول هو تحولها إلى ساحة نزال وإثبات وجود وحلبة صراع يتبادلان فيها لكمات الإهانة والسخرية من الآخر، أو يفتح ملف خلافات سابق يظهر ما تراكم من مشاكل لم تتم معالجتها.
لا تخلو الحياة الزوجية من سوء فهم و خلافات قد تحدث مرارًا، ولكن التعامل معها يحتاج إلى عقلية متفهمة وروحية تستوعب معنى الحياة المشتركة، وتسعى نحو إيجاد نقاط تفاهم والبحث عن حلول مرضية، ويحترم خلالها الطرفان وجود الآخر ويأخذ رأيه بالحسبان دون تجاوز أو تجاهل له.
والتعرض لضغوط حياتية تعصف بالفكر ويضيق معها الصدر وتكدر المزاج ليس بمسوغ ولا داعٍ للشحن والتحفز نحو معاملة سيئة لشريك الحياة، إذ يمكنه التنفيس عن همومه بعيدًا عن الصراخ في وجه من أحبه ويسعى لسعادته، بل جلسة هادئة يبدي فيها الآخر اهتمامًا به يحدثه بما يزعجه و يسبب له ضيقًا، فيثمر هذا التنفيس الوصول لمعالجات ممكنة لما يواجهه، كما تزداد حالة الانسجام والتوافق النفسي والانجذاب العاطفي، لشعوره بروح تهتم به وتود له السعادة وتجنبه آثار منغصات الحياة.
الشخصية الشفافة الواضحة تستجلب الثقة والأمان بينهما، ولا يجد من أخطأ في حق الآخر أي غضاضة في الاعتذار فيلاقيه بالتسامح وتجاوز ذاك الموقف، فالحب بين الزوجين إحساس عاطفي وهمة عالية في بلورة مواقف عملية يظهر فيها مشاعره جليًا.
العلاقة الزوجية تسير وفق مبدأ العطاء والبذل النفسي والعاطفي قبل الجانب المادي، فهناك شريك في حياته يستحق الاهتمام والتفاهم معه وبناء جسور الثقة بينهما، فكل واحد وجه مكمل للآخر يبوح له بمشاعره وهمومه وتطلعاته ويأنس برأيه في كل حوار هادئ بينهما.