سؤال كثيراً ما سمعته من عدد غير قليل من الأخوة مدفوعين بحسن ظنهم عما يرون ويلاحظون من سلوكيات تشغل بال الكثير من الناس ، وتثار حولها تساؤلات بالغة الأهمية في مدى جودة وسلامة ما يقدم لنا من أطعمة .
رغم سروري الطبيعي بمثل هذه الأسئلة لكونها تستحق الأهتمام وهي دليل على زيادة الحرص والوعي الصحي والغذائي ، إلا أنني في العادة أجيب عليها بطريقة لا تعطي صورة قاتمة تؤثر على تفكيرهم وتوجهاتهم ، وأيضاً نحن لا نستطيع أن نحلل ونشرح بوضوح .
طرح مثل هذه القضايا عبر قنوات التواصل قد تشكل مشكلة لكونها بالغة التعقيد والحساسية ، ولأنها رسالة يتعذّر علينا ايصالها بصوت عالٍ
كنت فيما يبدو متردد في التعليق ، غير أنني اليوم اشعر دون شك أن من حق مجتمعنا معرفة ما يجري داخل كواليس المطاعم ، وإبداء وجهة النظر الخاصة كما أراها لمن يريد الوصول إلى الحقيقة ..
الحقيقة التي يجب أن يفهمها كل أحد ، تمثل الواقع الصعب ، قرف واشمئزاز إزاء ما يقدمونه لنا على أنه غذاء ، صورة مزرية تعطي أسوأ النتائج عن حقيقة سلامة الغذاء .
ليس هناك أدنى شك في أن صحة الناس وسلامتهم تعتبر الهدف الأساسي والأهم الذي يتكاتف الجميع من أجله .
من منا لا يحب تناول وجبات الطعام خارج المنزل أم جلبه داخل المنزل ، أمر أصبح معتاداً أو مألوفاً ، ويصفه الكثير بأنه من حتميات الحياة بما تحمله من إيجابيات وسلبيات ، وهذا السلوك قد غذا ميسوراً في ظل الإنتشار الواسع للمطاعم .
ثمة أناس لا يستطيعون مقاومة اغراءها وما تعدّه من أطباق شهية تجذب أنظارهم ، منها ما يعتبر مناسباً للصحة ، ومنها خلاف ذلك .
تأصلت العادة وربما وصلنا إلى حالة من المبالغة .. وكل شيء جاوز الحد سينقلب ضد .
نعم هناك مطاعم ذات تميز وجودة حصلت على رضا زبائنها نتيجة الألتزام بتطبيق الشروط الصحية والخدمات الصارمة – وهذا ما أكدته بلدية محافظة القطيف مع حملة غذاؤكم أمانة.
الأكل الصحي هو الذي يعدّ في المنزل أو المطعم بطريقة سليمة وفي ظروف صحية بعيدة عن التجاوزرات ، ولا يترتب على ذلك حدوث أساءة بالغة ومتاعب صحية .
المطاعم التي تضع المستهلك أساس نجاحها هي مطاعم تتميز بسمعة جيدة ، ولا نشعر بالخوف والقلق من تناول وجباتها .
بالرغم ما نشاهده من تكثيف الرقابة الميدانية والحملات المركزة من قبل الجهات المعنية على المطاعم التي لا تتوافر فيها الشروط الصحية ، إلا أن هناك مخالفات تحدث في هذا المضمار ، تلك هي الحقيقة المؤلمة !!
اللامبالاة وعدم الخوف والعبث هي سلوكيات خاطئة تصدر من المستهترين بالصحة العامة وقد جلبت لنا المصائب والآلام .
مأساة المطاعم وعلاقتها بحالات التسمم الغذائي والأمراض المستعصية ، هو السلوك الخاطىء الذي دفعني أن ألقي الضوء على هذا الجانب بحكم التخصص والخبرة والمعايشة والإطلاع .
هناك خطوط عريضة لضبط هكذا تجاوزرات ، ونحن هنا فقط نطرح رأينا بصراحة ، ونحاول ايصال وجهة نظرنا ، وتقديم النصائح والاقتراحات لرواد المطاعم وأصحابها والمشرفين عليها ، فلا ننساق وراء كل بادرة فنحكم لها أو عليها فذلك شأن المعنيين .
انا شخصياً لا يحلو لي أن ارتاب في كفاءة المراقبين .. يكفي أن نحرص على جمع المعلومات الدقيقة والصحيحة ونضعها أمام أنفسنا ونحللها بالبحث والمناقشة والاستقصاء العلمي ، قبل طرحها أمام الرأي العام ، عسى أن يستطيع المعنيون بالرقابة ، بالضبط التام لبعض السلبيات ويستخدموها في تقييم اذائهم الرقابي .
نحن نشيد بجهود الأجهزة المسؤولة في وزارة البلدية والقروية ووزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للغذاء والدواء ، التي ساهمت بكل ما تملك من طاقات وخبرات في المجال المراقبة الصحية لتعزيز ثقة المستهلك ، فقد استطاعوا أن يكشفوا للناس الكثير من التجاوزات عبر الجولات التفتيشية المنظمة والمداهمات الغير مجدولة لضمان إلتزام المنشآت الغذائية بالإشتراطات الفنية والصحية ، وهي بلا شك مهمة صعبة فرضت عليهم الشيء الكثير من التحمل والصبر .
من الخطأ إقبال الناس على تناول وجباتهم في مطاعم تفتقر إلى أبسط قواعد الصحة والنظافة والسلامة ..
لا تعني أنهم لا يعلموا .. أنما تعني أغلب الناس يقبلون على تناول الوجبات تحوي فيما تحوي .. ملائمة وغير ملائمة .. كيفما اتفق ..
هل يحبونها فعلاً ، أم أن وتيرة العمل وايقاعات الحياة المتسارعة فرضت عليهم القبول بها بدافع الحاجة الملحة ، فهم لا يرون سوى محاسنها ،
تلك هي تحديات العصر أثارت جدلاً عنيفاً .
ما هي نظرتهم حيال ما يثار حولها من أضرار ؟
رغم أن هناك محاذير تربط بصورة مباشرة للكثير من التسممات الغذائية لأطعمة المطاعم إلا أن البعض تجاوز تلك المحاذير واعتبرها أقوال واتهامات لم يثبت بعد مدى صحتها .
ربما ذلك بسبب الأنماط الحياتية المعاصرة ، فأصبح الحكم مضلل وعشوائي وأفكار تسويقية .
لم يكن احد بحاجة إلى التساؤل عن مصدر اضرارها ومدى توافقها !!
لابد أن تتولد قناعة صادقة لدى المستهلك بأن ما يقدم في المطعم يقطع بصحته وسلامته ، وتتضح تلك القناعة من خلال المعرفة بالضوابط الصحية والثقافة الغذائية ، وهذا يؤسس لأختيار المكان اللائق والأنظف بحكمة وتعقل لحماية نفسه وأسرته ومجتمعه من الأخطار .
إننا اليوم في عصر غدا فيه الغذاء الصحي والتغذية الصحية هاجساً يطارد الكثير من الناس ، لا ريب في ذلك !!
أن ما نراه اليوم ممن يزاولون مهنة إعداد وتجهيز وجبات المطاعم أو ملاكها أو المستثمرين فيها ، يشير إلى عدم الأهتمام المهني بالجوانب المختلفة ، السلامة الصحية والرقابية والأشرافية والنظام الصارم ، نجمَ عن ذلك الوقوع في السلوكيات والتصرفات الخاطئة التي باتت تسبب أضرار لا يحمد عقباها ، فوجود مطاعم ذات مستوى صحي سيء أعطى انطباعاً سيئاً للناس ، وصرخات تبعث من عدم الأطمئنان – وهذا هو الفشل .
مطاعمنا هذه الأيام تدفعنا لأن نتأكد من حقيقتها وصلاحيتها وتوافقيتها مع الغذاء الصحي المطلوب ، حتى لا نقع ضحية للأغذية الفاسدة التي لا تصلح للأستهلاك الأدمي .
ان انتشار المطاعم دون ضبط القواعد الأساسية والاشتراطات الصحية ، امراً مخيفاً وخطراً ، فمن الصعب أن تشاهد سلوكيات خاطئة دون أن تشعر بالألم والخوف من هكذا تجاوزرات .
كثيرة هي التساؤلات التي يحملها عقلي – وتظل تدور في رأسي وقد لا تستقر – وتظل تدور مكونة دوائر وعوالم واسعة .. من ضمنها :
انتشار المطاعم في كل حدب وصوب دون ضبطها ، تغمر سائر البلاد ، نشاهد أقطاراً وصفوفاً بكاملها ، هكذا امتلأت ، وبعضها لا تتوفر فيها مقومات ضوابط السلامة والأمان ،
يقبلون الناس عليها ، وترى الزحام لا يتوقف ، وباتت تلك الأماكن ملاذاً عائلياً لا مفر منه .
بكل بساطة هو عنوان الرضى والقبول فيما يقدم من وجبات مهما كانت التجاوزرات والأثر الصحي ، ولا أحد يتجرأ أن يصوب خطأ صحي ، الأمر أشبه ما يكون بالمجاملات ، أصناف الأطباق التي تُقدم في هذه المطاعم لا تبعث على الأطمئنان ، وقد لا يستسيغها الزبون !!
بتنا نسمع عن أمراض ما كنا نسمع بها أبداً ، ساهمت العمالة مختلفة الجنسيات واللغات والثقافات في انتشارها ، هم لا يلتزمون بالتعليمات والشروط الصحية ، فهي عمالة وافدة رخيصة جلها تأتي من بلدان فقيرة ، تجهل ابسط قواعد الصحة والسلامة ، وغير مدربة ، وغير معتادة على النظافة الشخصية وثقافة التربية الغذائية ، تلك النوعية من العمالة ملئت الكم الهائل من المطاعم ومراكز الأغذية ، نألم لتدفقها بهذه الكثرة .
فإذا نحن أردنا أن نبحث أمر أصحاب المطاعم فيحسن بنا أن نتعرف على مدى فهم هولاء بالوعي الصحي وسلامة الغذاء .
فا لسلوك والتصرفات يشيران إلى خلاف ذلك .
سيطرة النظرة المادية الصرفة ، افقدتنا الكثير من الواجبات الإنسانية ومقاييس من الأخلاق .
وحسبنا ألماً ما وصل إليه بعض أصحاب المطاعم من جهل تام أو عدم الإلمام أو الأهتمام أو الاستخفاف بالتعليمات والضوابط الصحية .
مؤسف أن نقول ذلك – ما بالهم يسلكون أرخص القيم والمثل الإنسانية وأدناها من أجل أن يملؤوا جيوبهم !!
أقول يثير اشفاقي على هولاء لفقدانهم التوازن العقلي ليعبثوا في صحة الناس ..فنحمد الله على نعمة العقل .
هولاء لا علم لهم بالجوانب الصحية والتغذية ، فالشخص الذي لايحسن مزاولة الطب لا يسمح له الدخول في هذا الميدان بفتح عيادة أو مستشفى، والأمر نفسه ينطبق على الصيدلي والمهندس .
الذي ينبغي أن نفهمه جميعاً وتقره الوقائع ، أنه من غير المفيد السماح بدخول من يشاء في مجال لا يتناسب مع امكانياته ومهاراته ، بل من الأفضل وضع شرط التخصص الغذائي أو الصحي ضمن متطلبات محلات تداول الأغذية وخصوصاً المطاعم لتأثيرها المباشر على الصحة العامة .
فكيف بنا أن نتجاهل ذلك المطلب !!
فقد ترتب على ذلك إنتشار عمالة غير مؤهلة للعمل في هذا القطاع ، مع إهمال مراقبتها .
أعود واؤكد على أهمية المتابعة من ملاّك المطاعم أو المشرفين المتخصصين ..
نعم قد تكلف الكثير الكثير من الجهد والوقت والمال – والتفاتاً يومياً ، وانضباطاً صارماً ، من أجل كسب سمعة حسنة وثقة جيدة ، وهذا ينبع من الأيمان الذي يقضي بالأطلاع على كل التفاصيل احقاقاً لحماية المستهلك .
ربما يسأل أحد فيقول : وما معنى الأنتقاد للمطاعم بهذه الصورة .. وأنا أقول : نعم هذا صحيح ومؤلم في الوقت نفسه ، لكن هذا لا يعني أن نكمم افواهنا على ما نراه من تجاوزات مضرة بصحتنا .
ليت أصحاب المطاعم يدركون أن نجاحهم مرتبط بتحكيم عقولهم وضمائرهم ، لعل في ذلك ما ينتهي إلى وقف التجاوزات ، ويدفعهم إلى العمل الجاد .
نريدهم ليدرسوا التعليمات والأشتراطات الصحية .. نريدهم لِيُقَيّموا جودة خدمتهم بالإشراف الجدي والنظام الصارم .. نريدهم ليفهموا أن التدريب والتثقيف الصحي والغذائي للعاملين يزيل الكثير من السلبيات الضارة بالصحة العامة .. نريدهم ليقتنعوا بأن النظافة العامة والمظهر اللائق والزي النظيف ولبس الأقنعة والقفازات الواقية وسيلة اطمئنان للزبون .. نريدهم ليتخلصوا من المعالجات الخاطئة في كيفية الإعداد والتجهيز كالطهي السريع والقلي الجائر .. نريدهم ليطبقوا وسائل الردع والعقاب والمحاسبة بحق المخالفين .. نريدهم ليتحاشوا اللحوم المشكوك في حليتها وصلاحيتها .
فلا شك أن تلك الطلبات سوف لا تضيرهم كثيراً .. إذا علموا أن نجاحهم غذاً سيترتب عليه نجاح وفائدة وأمان للناس .
ما تقدمه المطاعم من وجبات رغم قيمتها الغذائية الضئيلة وما يترتب عليها من أضرار صحية ، إلا أنها مشهية ، وغالبية الناس لا تستغني عن تناولها .
اليوم يمكن تلمس عدد من التجاوزات التي مازالت قائمة وتم رصدها وهي شائعة في اغلبية المطاعم .
١ – استخدام قفازات رخيصة الثمن سريعة التلف غير محكمة ويتكرر استعمالها .. ماذا يعني ذلك ؟
٢ – عدم الإلتزام بتغطية الأنف والفم بالكمامات عند إعداد وتحضير وتقديم الوجبات الغذائية .. ماذا يعني ذلك ؟
٣ – الإسراع بتغليف الوجبات والمخبوزات الساخنة بمغلف بلاستيكي رقيق شفاف يلامس الغذاء دون تركها لتبرد ..ماذا يعني ذلك ؟
٤ – تخبز المخبوزات ويسرع في تجهيزها بداخل الفرن برفعها ومحاولة تقريبها للهب مباشرة
( الدافور ) وتخرج وتوضع على طاولة التجهيز أو في سلال النقل المغلفة بالبلاستيك الشفاف وهي لازالت ساخنة ويتم التعامل معا بالقفاز البلاستيكي الرقيق ..
ماذا يعني ذلك ؟
٥ – منصة عرض الأطعمة المقابلة لأستلام طلبات الجمهور غير محكم التغطية .. ماذا يعني ذلك ؟
٦ – أغلب أجهزة التحكم والمراقبة الداخلية لا يتم تشغيلها أو معطلة .. ماذا يعني ذلك ؟
٧ – فرز البيض وأبعاد المكسور والمشقق القشرة ، ومن ثم غسله بالماء الجاري وتطهيره لإزالة بقايا فضلات الدواجن وسوائل البيض المكسور ، وحفظه في أماكن باردة ..
هل تم التأكد من ذلك ؟
٨ – تناول أطعمة معدة في أماكن خارج حدود المطعم .
ماذا يعني ذلك ؟
هل نستطيع أن نضع حداً لما نحن فيه من تجاوزات ؟
هل نرى أن الجهات الرقابية المعنية ممثلة في إدارة التغذية والصحية قامت بواجبها على المستوى المطلوب ؟؟
هناك جهود يشكرون عليها قطاع التفتيش ، لكن أرى أن كثرة المطاعم وقلة الزيارات قد يكون المحدد للسيطرة على معظم التجاوزات .
ونتيجة لذلك وجب تعيين اختصاصي تغذية من قبل صاحب المطعم لعملية الإشراف والمراقبة على الوجبات والعمالة ويكون هو المسؤول عن أي تجاوزات .
الأمر الذي ينبغي أن نفهمه جميعاً هو أن خطر أغلب التسممات الغذائية التي تجلبها الأطعمة لا يمكن علاجها ،
فلا يوجد مضاد حيوي يمكن أن يقضي على السموم ، وأكثر ما يمكن أن يعمله الأطباء هو تقديم الدعم الكافي للإبقاء على المريض حتى يكمل تأثيرات السموم دورتها لكون الجهاز المناعي في الجسم القادر على القضاء على مسببات السموم .
” الوقاية خير من العلاج ” .
فالجميع يدعي الجودة العالية ، والخدمة الجيدة ، والنظافة الفائقة ، والحق أن الغالبية لا تحكمه الإجراءات الصحية .
فتجنب تناول وجبات المطاعم إلا في أماكن معروفة قد يضمن سلامة الغذاء من الملوثات .
فالمستهلك عليه معرفة ما يأكله لحماية نفسه .
كل أو لا تأكل .. فالمطاعم أمرها محير ..!
الخلاصة أن سلامة الغذاء ليست مسؤولية الجهات التشريعية والرقابية فحسب بل إن هنآك أطرافاً عديدة يجب أن تشارك في تحقيق ذلك الهدف ، كلاً في حدود معرفته ومسؤوليته .
وبالإمكان لكل معني زيارة المواقع الإلكترونية للجهات الرقابية الحكومية للإطلاع على اللوائح الفنية والمواصفات الخاصة بالمنشآت الغذائية .
دعوتي للجميع بالصحة والعافية ،
وأيضا دعوتي بالتحرز واليقظة والإبلاغ عما يراه من تجاوز إن وجد .
وختاماً أرجو أن أكون قد وفقت في تقديم الصورة الواقعية ، والعمل على ما يخدم المصلحة العامة.
منصور الصلبوخ
اخصائي تغذية وملوثات .