التدخين.. الحاكم بأمره

كنت مدخنًا في يوم من الأيام، وإن بصورة خفية، وكيفية مزاجية، فلم أكن محترفًا له ولا راغبًا ولا متكيفًا، ولكنها عادة أتت وذهبت من حالها.

ما لاحظته أن التدخين يكون هو محور الوقت، ويتحكم في المرء بكل وضوح وصراحة، فتراه في وجوه المدخنين وعلى ملابسهم وبين شفاههم ومختلطًا بعطورهم، بل ويكاد يغلب على جميع الروائح التي تحملها الأمكنة.

إنه لعجيب جدًا خاصة من جنبة تصرفه في المدخن صاحبه، فهو يسحبه من بين ناسه وجلاسه سحبًا، وهو في خضم حديث أو اجتماع مهم، أو حتى وسط قاعة محاضرة أو في مستشفى زائرًا أو مريضًا، أو في سوق وخلافه.

هذا التدخين يأخذ من الوقت أهمه، بل ويحدد حتى نوعية الطعام والشراب والذي يتوافق مع مزاج نفثاته المتطايرة بالدخان والتي تملأ المكان بؤسًا وتعاسة. وأخص بالذات تلك الأرجيلة سواء التي تحمل المعسل على رأسها أم ما يسمى “الجراك”، والتي إن وجدت في مجلس كانت هي العمدة والقاضي والحكم، وصاحبها هو صاحب النهي والأمر، وإن وجدت في مقهى سحبت الحبيب من حضن حبيبه والصديق من جنب صديقه، والقريب من عند حضرة أبيه أو أخيه أو قريبه.

التدخين كهذا، حاكم متصرف في المكان والزمان، وهو جامع للأحباب في أوانه، ومشتت للجماعات حال التخلي عنه، بل ويجعل من بعض المجالس عمارًا، وفجأة يحيلها إلى خراب ودمار، فقط بقطع التعميرة أو المعسل عن مكان بعينه، ليراه الناظر في يوم من الأيام وكأنه ما كان.


error: المحتوي محمي