عمرة مقبولة

روي أن الإمام الصادق‏ (عليه السلام) أنه سُئل: أيّ العمرة أفضل؛ عمرة في رجب أو عمرة في شهر رمضان؟ فقال: “لا، بل عمرة في‏ رجب أفضل” (1).

من المظاهر الإيجابية أن ترى العديد من الناس يعقدون العزم للذهاب لأداء العمرة المفردة في شهر رجب الأصب، وهنيئًا لمن وفّقه الله لهذا العمل، وهنا أشير إلى بعض النقاط المهمة:

العمرة.. خطوة جديدة نحو الإصلاح الذاتي
عندما تنوي العمرة فعليك أن تعقد العزم على إصلاح نفسك والتوكل على اللَّه في بناء حياة جديدة بعد العودة من العمرة.. حياة ملؤها الإيمان والنشاط والسعادة.
عليك أن تطهّر نفسك من الذنوب والخطايا، وتعلن التوبة وأنت تلبس ثوبي الإحرام وتطوف حول البيت وتسعى بين الصفا والمروة. لتكن هذه الأعمال خطوة نحو بناء نفس طاهرة نقية، نفس خالية من كل الشوائب والسلبيات.

فقه العمرة.. إتقان العمل
إن الدقة والإتقان في العمل هو شعار المؤمن، لذلك تجده حريصًا على أداء مناسك العمرة بكل دقة، ويخشى أن يقع في محظور شرعي؛ لذلك يجب التأكيد على ضرورة التفقه في أحكام العمرة، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): “إن لكل شيء دعامة ودعامة هذا الدين الفقه” (2).
وهكذا تعلمنا هذه الشعيرة فن إتقان العمل ومعرفة الآثار المعنوية والأهداف السامية.

الخشوع عند أداء الأعمال
عن أبي عبدالله (ع) قال: “إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافيًا على السَّكينة والوقار والخشوع”، وقال: “ومن دخله بخشوع، غفر الله له إن شاء الله”، قلت: وما الخشوع؟ قال: “السَّكينة، لا تدخله بتكبُّر..” (3).

احرص على ألا تدخل البيت الحرام وأنت متعب من السفر، بل اغرس في نفسك بذور الخشوع والتقوى والشوق لأداء هذه العبادة راجيًا من الله القبول.
لذلك اختر الوقت المناسب الذي يكرس في ذاتك المزيد من الخشوع، ويجعلك تستمتع بأعمال العمرة، وتتلذذ بكلمات الدعاء والتسبيح والتهليل.
لا تتعجل في أداء الأعمال، ولا تشغل نفسك بالتصوير أو ما أشبه، لتكن عمرتك عمرة الخاشعين.

الدعاء مفتاح الرحمة
قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ}…
تحثنا هذه الآية على أن نقبل على الله بمنتهى الخضوع والخشوع والتواضع، بل يجب أن تنعكس روح الدعاء في أعماق روح الإنسان، وعلى جميع أبعاد وجوده، ويكون اللسان مجرد ترجمانها، ويتحدث نيابة عن جميع أعضائه (4).
لذلك فعلى المعتمر أن ينتخب مجموعة من الأدعية المؤثرة في أعماق الإنسان والتي تغسل القلب وتنيره، والتي تدمع العين لقراءة كلماتها، روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): “إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك ووجل قلبك فدونك دونك فقد قصد قصدك” (5).
ومن الأدعية المؤثرة: “الخمس عشرة مناجاة للإمام زين العابدين (عليه السلام) في الصحيفة السجادية”.
دعاء كميل ويمكن تقسيمه لعدة مقاطع.

تجديد العهد مع القرآن
قال الإمام محمّد الباقر (عليه السّلام): «مَن خَتَم القرآن بمكّة لم يَمُت حتّى يرى رسول الله صلّى الله عليه وآله، ويرى منزلَه من الجنّة”.(6)
كم هو أجر عظيم لمن قرأ القرآن في بيت الله الحرام، ومع صفاء الروح والخشوع فإن ذلك يسهم في وعي دروس القرآن، وفهم بصائره، ومعرفة حقائقه.
لذلك احرص على أن تقرأ القرآن في معظم أوقات زيارتك لبيت الله الحرام.

الصلاة والأجر المضاعف
روي عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: “صلاة في مسجدي تعدل عند الله عشرة آلاف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة” (7).
في هذه البقاع المقدسة تتضاعف الحسنات، فلا تدع هذه الفرصة تفوتك، واحرص على أن تؤدّي صلواتك في المسجد الحرام.

أخيرًا: أجعل من هذه الرحلة منطلقًا لزيادة رصيدك الإيماني، واشحن نفسك بالروحانيات.
وتقبل الله أعمالكم…

الهوامش:
(1): الحدائق الناضرة – المحقق البحراني – ج 16 – الصفحة 330.
(2): ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 3 – الصفحة 2454.
(3): الكافي 4: 335.
(4): الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل – الشيخ ناصر مكارم الشيرازي – ج 5 – الصفحة 79.
(5): ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 2 – الصفحة 875.
(6): المحاسن، للبرقي 69.
(7): ثواب الأعمال – الشيخ الصدوق – الصفحة 30.


error: المحتوي محمي