لملم الشاعر علوي هاشم الخضراوي شتات 9 سنوات لقصيدته الشعرية، التي كانت حبيسة القرطاس والأرفف، تراقصها الذات، كلما أبصرها، متقلدًا الانطوائية والعزلة، حتى قرر الخروج من عزلته، كشاعر ينسج أحرفه، ليخرج إصداره الأول، الذي جاء بعنوان “من وحي العزلة”، في 118 صفحة من الحجم المتوسط، ويضم 29 نصًا، عن دار أطياف للطباعة والنشر في القطيف، وتمتد فترته الزمنية منذ عام 2009م حتى 2018م.
واحتوى “من وحي العزلة” قصائد متنوعة من بنات أفكاره، بين الغزل والوجدانية، وقصيدة واحدة في أبي الفضل العباس (ع)، وأكد “الخضراوي” أن قصيدة “من وحي العزلة”، هي الأقرب لذاته، لأنها تمثل مرحلة جميلة من حياته الخاصة، بحسب قوله.
وأفاد عن سبب تأخره في الإصدار، بأنه ليس كل ما يكتب ينشر لأسباب مختلفة، وقال: “كنت أريد أن يتم نشر ما أكون مقتنعًا به من جميع الجوانب الأدبية، وما يمثلني من أفكار وآراء”.
وعن بداياته الشعرية، ذكر “الخضراوي” لـ«القطيف اليوم»، أنه بدأ رحلته مع كتابة الشعر حين كان عمره 17 عامًا تقريبًا، حيث كان أحد أخواله يدرس علم العروض في قريته القديح، وكتبه تملأ المكان من الدواوين الشعرية والأشرطة الصوتية لنغمات الأوزان الخليلية.
وأضاف أنه كان دائمًا يقوم بتقطيع الأبيات أمامه، وحين يسأله أن يعلمه العروض لا يعيره اهتمامًا، ليقوم بسرقة الكتب وتصوير نسخة منها، ويشرع في التعلم ذاتيًا، مشيرًا إلى أن ذلك كلفه إعادة عام دراسي من حياته، والكثير من الوقت والقراءة والتقطيع لكل ما تقع عليه عيناه من شعر.
وتابع: “ثم انطلقت لمطالعة الشعر الجاهلي رغم صعوبة مفردات امرؤ القيس والأعشى وعمرو بن كلثوم ولبيد وغيرهم من الشعراء كالفرزدق وجرير والحطيئة والمتنبي وأبي تمام وأبو فراس الحمداني، ولكني تأثرت كثيرًا بشاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، حيث كان فارس الحلبة حينها، خاصة عينيته الخالدة في الإمام الحسين (ع)”.
وعن الدافع لتعلقه بالشعر، أجاب: “حبي للقراءة منذ الصغر، ولأن الشعر لا يحتاج إلا ورقة وقلمًا بعد التخرج في مدرسة العروض، فكل ما تحتاج إليه ديوان شعر تتمعن فيه وتستمتع، وأنت مستلقٍ في المنزل أو تنتظر أحدهم في سيارتك”.
ولفت إلى أنه في يومنا هذا قامت الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل باختصار المسافات، فبإمكانك أن تقرأ كل ما هو جديد وقديم ومترجم من الشعر بسهولة، والاحتكاك بأكثر الشعراء ومعرفة الروافد التي صقلت موهبتهم والاستفادة من تجربتهم.
وعن موقفه من الشعر العمودي والحديث، أفاد: “أنا من عشاق الشعر العمودي (القافية)، أبصر ذاتي في الأوزان الخليلية التقليدية، لأن المحيط الذي ترعرعت فيه كان ينظر لغيرها من القصائد النثرية أو التفعيلة أو الحر بمختلف مسمياتها نظرة دونية، فقد تعودت الأذن على سماع القافية المكررة في نهاية كل بيت شعري”.
وأوضح أنه لما للقصيدة العمودية من هيبة وجمال وعراقة، فهي الرافد الأساسي لكل الشعراء حتى الحداثيين منهم، وهي الغصن الأقرب لمن يريد تسلق شجرة الشعر، والشراع الذي لن تنطلق سفينة الشاعر لتسافر بعيدًا إلا به.
وقال “الخضراوي”: “أعتقد أن الشعر العربي الحديث رغم قصر عمره مقارنة بالعمودي، فيه من الأناقة ما يجعل القارئ يعيد قراءة القصيدة عدة مرات، ليصل إلى جاذبيتها والتلذذ بنكهتها الخاصة، فهي كالطائر الذي ينطلق في السماء غير عابئ بالريح والمطر، يحلق حرًا وينزل على أي غصن يختاره”.
وأكد أن الشاعرية هي التي تحدد جمالية النص لا الثوب الذي ترتديه القصيدة، مشيرًا إلى أن لكلٍ جمهوره في عالمنا العربي.
وعن لحظة الدفء والإلهام التي تزوره ليكتبها شعرًا، قال “الخضراوي”: “القصيدة في كل شيء في الحياة، هي انعكاس لجمال الروح الإنسانية، وتتجلى على شكل كلمات مترجمة ذات الشاعر لحظة الكشف الشعري”.
وأضاف: “الإلهام قد يأتي مباغتًا الشاعر في أي لحظة تأمل صافية، شرط أن يكون قد أعد لها العدة بالقراءة المكثفة والتنوع ليستمر ويطول التدفق الشعري، وبلا وعي تام تتشكل الصورة الشعرية، لتنتج حصيلة تجاربه من حب أو ألم أو حنين أو صور معلقة في الباطن”.
وتابع: “ما أحتاجه شخصيًا للكتابة هو الهدوء التام والانتظار ريثما يهطل المطر أو تنقشع الغمامة غير مأسوف عليها، فلا يمكن للقصيدة الجميلة أن تُغتصب اغتصابًا وإلا خرجت مشوهة وغير تامة النمو”.
وأجاب عن سؤال: “من وحي العزلة، أيكون تجسيدًا لما يعيشه الشاعر كانطواء وعزلة؟”، قائلًا: “ما أكتبه حاليًا يعكسني تمامًا بكل ما أعرفه وما لا أعرفه عن نفسي، وذلك لأنني إنسان انطوائي وأعشق العزلة، ومن يقرأني يجد هذه المفردة ترددت كثيرًا وبوجه سافر بين قصائدي”.
ونوه بأن الشعر هو ترجمة للشعور الإنساني وتجلٍ للروح على الورق، ولا يمكن تقييده بالحزن فقط، لذلك نجد أن القصيدة الحقيقية المشاعر أطول عمرًا من شاعرها، فالمتنبي مثلًا لا يزال حيًا بشعره نراه في الأسواق والمجالس بروحه المتمثلة في نصوصه الخالدة، تارة حزينًا، وتارة في أبهى حلله من السعادة.
وأوضح أن “نجاح القصيدة يعتمد بشكل كبير على صدق وكثافة المشاعر والصور الحية التي تلامس واقع الحالة الشعورية لحظة اندلاعها في ذات الشاعر، وأحيانًا كثيرة يختلف الذوق من قارئ لآخر في قصيدة واحدة أو حتى بيت شعري أو حتى قافية، والقارئ الفطن يميز بسهولة بين النُظُم، أي فقط المحافظة على شكل القصيدة الخارجي من وزن وقافية، والشعر الخالد، الذي ينبع من صميم الروح الإنسانية، ومررت بنفسي على الطريقين قراءة وكتابة في بداياتي”.
وأضاف: “إن الإبداع الشعري لن يكون متاحًا إلا لمن يحترف القراءة والاطلاع، بالإضافة إلى تنوع المصادر، فهي الشرارة التي ستنقدح عاجلًا أو آجلًا، وهناك من الشعراء الشباب من يبهرك رغم صغر سنه، لذا لا أعتقد شخصيًا أن عددًا مسكينًا يحدد كمية الإبداع”.
ولفت إلى أن الشاعر هو من يحلق بجناحيه منتقلًا من غصن لآخر، ومن مجرة لمجرة بروحه في النص، ويحمل معه القارئ ليريه ما لا يعرفه عن نفسه، فالروح الإنسانية أوسع مما نتخيله، إن فتشت في مجاهلها، هي العالم الأكبر الذي خلق الله لها هذا الكون المذهل بعظمته.
واختتم “الخضراوي” حديثه، مؤكدًا أنه يعمل على إصداره الثاني، ويلم شتاته، ليأتي بعنوان “رحلة الظل في الروح”، ساعيًا إلى جمع القصائد المتناثرة هنا وهناك ومراجعتها، لتكون بين دفتي كتاب، ولا تتشرد وتضيع، وتدفن في مقبرة النسيان، كمن سبقتها من أخواتها.