الكتاتيب في القطيف خرجت أدباء وعلماء وحرفيين.. وأجورها على «مدة إيدك»

لم تكن فكرة الاعتماد الشامل على الآباء في خوض العمل وتحمل قساوته محببة لدى غالبية الآباء الذين أنجبوا الأولاد في القرن الماضي، فكان من الضروري أن يسوق الوالد ابنه إلى مكان العمل منذ طفولته بذريعة تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس، وللمشاركة مع والده في صيد السمك أو “تصفيطه”، وسف الخوص أو رعاية السعف، أو صناعة أقفاص الطيور والحيوانات، وبيع المحاصيل الزراعية، وغيرها من المهن والحرف الشعبية آن ذاك.

ورغم أن صحوة التعلم لم تكن تسللت إلى جميع بيوت سكان محافظة القطيف في تلك الآونة، إلا أن بعض الآباء كان يحرص على إرسال أبنائه إلى “الكتّاب” منذ الصغر، خاصة الناشئين في الأسر العلمية.

الكتاتيب
الكتاب هو المركز التعليمي الأول الذي يرشد الآباء أبناءهم إليه كبداية لمسيرتهم العلمية، فهو بمثابة المكان الأساسي لتعليم الناشئة القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم.

وغالبًا ما يكون الكُتاب غرفة في منزل المعلم يستضيف فيها الصبية لتعليمهم، وبعض الكتاتيب خرَّجت رجال علم بزغوا في مسيرتهم العلمية أمثال العلامة الخطي رحمه الله.

مال وبيضتان
لا اشتراط في التعليم “فزكاة العلم نشره” وكل ما يأتي من المتعلم هو بكرمه أو مقدرته، بهذا المبدأ كانت تسير الكتاتيب في القطيف، ويروي المؤرخ لؤي سنبل في ترجمة الشيخ عبد الحميد المعروف بالعلامة الخطي، نقلًا عن الشيخ، حال الكُتّاب في القطيف فترة ١٣٣٧هـ على نحو التقريب موضحًا: “أجور الأستاذ في الكُتاب غير محددة بمبلغ معين، وإنما كل بحسب حاله، وللأستاذ في الكُتاب أكثر من راتب، فأول يوم يذهب إليه الطفل يصطحب معه مبلغًا من المال وبيضتين، أما المال فهو للأستاذ، وأما البيضتان فله بيضة وأخرى للتلميذ”.

ويضيف: “كما أن هناك راتبًا يسمى “الرفعة”، وهو اسم مشتق من مادة “رفع”، وفيه إشارة إلى ارتفاع الطالب في دراسته، حيث إن كل طالب إذا اجتاز مرحلة يدفع راتبًا معينًا، و”الرفعات” متعددة ومختلفة في الكم حسب المقدار الذي وصل إليه التلميذ، كمن ينتهي من حفظ بعض السور”.

وذكر مثالًا على ذلك: “إذا وصل الطالب إلى سورة “البينة” يدفع رفعة وهي عبارة عن مبلغ مالي يعطى للمعلم بنحو متفاوت؛ إما 5 ربيات أو أكثر أو أقل، وقهوة الحلو التي تصب إلى التلاميذ جميعهم، إضافة إلى بيضتين للمعلم”.

وتابع: “أما إذا وصل الطالب إلى سورة “البقرة”، فيدفع رفعة أكبر من سابقتها إذا هو وصل إلى مكان علمي رفيع، وهي عبارة عن مبلغ مالي غير محدد، فيعطى المعلم بين 15 و٢٠ ريالًا، وطاقة زري لزوجته، وغداء لجميع الطلاب”.

مراحل الدراسة
المرحلة الأولى هي دراسة القرآن الكريم قراءة وحفظًا، والثانية تعليم الخط ويتم على ثلاث مراحل، أولها القلم المتين، حيث إن التلميذ لا يتمكن من استخدام القلم ذي الخط الدقيق فيستعينون على تدريبه بالقلم ذي الخط الكبير، ثم البغلي وهو القلم الوسط الذي يستخدمه الطالب حينما يكون متهيئًا لاستعمال قلم أصغر حجمًا، وآخره القلم الدقيق، إذ يمثل المرحلة الأخيرة في تعليم الخط.

كما أن للأدب نصيبًا من التعلم، حيث يدرس الطالب بعض القصائد التي يختارها الأستاذ، إضافة إلى أن الأدب مرتبط بالخط فهو المادة التي يتعلم عليها الطلاب الخط، فيما يدرس الطلاب الحساب أيضًا، وفيه يتعلمون الأرقام والجمع والطرح والضرب مع القسمة.

نهاية حافلة
ينتهي الأسبوع الدراسي بيوم الأربعاء، ولهذا اليوم فعاليات خاصة، ففيما يمضي الطالب صباحه كأي يوم دراسي، إلا أن عصره يختتم بالمسابقات بين الطلاب، فيبدأ كل طالب في كتابة بعض الكلمات ثم تعرض على الأستاذ ليحكم بينهم ويعلن اسم الفائز، وتسمى هذه اللعبة “المكاتبة”، والمغلوب فيها عقابه الضرب أما الغالب فجائزته ضرب الخاسر، وحين نهاية الدوام الدراسي يبدأ العمل للتلاميذ، حيث يقوم الأستاذ باختيار من يقوم بمهمة تنظيف بيته، وتصعيد الماء، وتفليق الكرب، وغيرها.

لا للعنصرية
يمتاز الكتّاب بعدم التمييز بين الطلاب، فلا فرق بين ابن غني وابن فقير، الجميع على حد سواء فيما يجري عليهم من عقاب أو عمل.


error: المحتوي محمي