كان حفل زواجهما في قاعة أفراح خاصة، قريبة لحيهما في البلد، وضم نخبة من الأهل والمعارف…
كانت جديدة على الحياة
وهي تظن أنها تعلم الكثير عنها، اختالت في ثوبها الأبيض، وما لبثت قريباتها أن ألبسنها حجابًا جميلًا يناسب العروس.
كان الزواج لديهم مختلطًا نوعًا ما..
لكنهم جميعهم يلبسون اللبس الإسلامي المحتشم.
سألته: لم نستأجر منزلًا بعد، ولم أجد في بيتكم متسعًا.
فأين سنذهب إذن؟
ونحن هنا بصورة مؤقتة من أجل الاحتفال.
كان قد طلب منها تأجيل موضوع السكن لأنه مشغول في رحلات عمل مهمة في أكثر من مكان..
قال لها:
عبير، هل تثقين بي؟
قالت:
طبعاً أثق.
أجابها:
إذن لا تقلقي.
….
انتهى الحفل، وعادا من السفر.
كان زوجها موظفًا كبيرًا وله مكانته وكان ملتزمًا.
كانت سعيدة؛ أن هناك عددًا لا بأس به من أقاربهما يعملون ويعيشون هناك.
نزلت من السيارة في منطقة سكنية منظمة وقد أغمض عينيها بعصابة زرقاء..
دخلت الباب وهي تشعر أنها تخطو على أحجار متناثرة
وقد غلبت على المكان رائحة الياسمين.
فتحت عينيها أخيراً.. كان المكان فِيللا جميلة جديدة، نوافذ واسعة، وحديقة غنّاء خلف المنزل حيث دخلوا من باب المطبخ لوجود عمال في المنطقة الأمامية..
– ما رأيك؟
ابتسمت بسعادة، وقالت:
لم أتوقع مطلقاً أن أبدأ حياتي في فِيللاّ…
ربما هذا مرعب قليلاً؟
احتفلا بذلك اليوم وحضر بعض المقربين لزوجها في المنطقة.. وهي تتعرف مثلهم على منزلها وهم يهنئونها.
مرت سنوات سعيدة رزقهم الله أربعة أطفال وهم الآن في مراحل دراسية مختلفة وقريباً سوف ترزق بطفل آخر.
كانت عبير ترغب أن تعيش التطور الذي تعيشه المملكة العربية السعودية؛ البلد الذي صار وطنهم…
رغبت بشدة أن تكمل تعليمها، بدأت الدراسة الجامعية عن طريق الانتساب، وهنا لم يمانع زوجها الذي كان شديد الالتزام بالحجاب…
تسلمت شهادتها وهي تشعر بجمال الإنجاز، أخبرته بذلك
فلم ينظر لذلك على أنه شيء مهم…
المهم: أنك زوجة وربة هذا المنزل حان الوقت لتتفرغي أكثر.
هذا ما كان الأمر يعني له
شعرت وقتها برغبة التحدي
وأن بإمكانها أن تكون شيئًا غير ذلك.
صار نقاش بينهما.. اعتقدت أنها انتصرت فيه…
حين تفكر في ذلك بعد مرور الوقت تعلم الآن أنه لم يكن هناك منتصر، في تلك المواجهات الصغيرة فالربح الأكبر كان المحافظة على التراث العام لعلاقتهما وتماسك أسرتهما.
طرحت الشركة لموظفيها وزوجاتهم تخصصات مميزة جديدة أحبتها، لكن هذا الأمر يتطلب أن تخرج من الصباح للمساء…
قال لها:
والأولاد من يعتني بهم؟
قالت عبير: أنا سأفعل..
لا تعلم لماذا كان الصراع بينهما شديدًا، فهو ليس متحجر القلب ولا العقل ولا يعيش بعيداً عن التطور؛ بل إنه مستغرقٌ فيه فهو من الذين قدر لهم أن يعيشوا التطور السريع والمشاريع الخلاقة.
صار التحدي عندها كبيرًا، وأعلنت أنها لا بد أن تذهب…
أخيراً، استسلم
وقال: حسناً افعلي ما تشائين، لقد كسبت المعركة إذن…
لكن أسلوبها وإصرارها لم يجعلا تقبل الأمر محمود العواقب بهذه البساطة.
في السنتين التاليتين تصاعدت بينهما الاختلافات وانتهى بهما الأمر للانفصال، رافق ذاك أخبار عائلية سيئة وأهلها بعيد عنها فلم يمكنها أن تعيش الظرف معهم…
كان قرارًا سريعًا غير موزون لهذا حدث لها رد فعلي جسدي حتى صارت تمشي بصعوبة..
دخلت المستشفى فترة للعلاج..
فيما بعد قالت للطبيب:
لم يكن الأمر يستحق ذلك
كيف يكون التناقض هكذا في فكر الرجل؟
كيف يجمع بين الثقافة والجهل والحضارة والإصرار على سلبيات الماضي والدين دين تطور ونماء للرجل والمرأة؟
أخبرته أيضاً، كيف أنها رأت بعضاً من أفراد عائلتها المتشددين على نسائهم
يسمحون لأنفسهم بتجاوزات أخلاقية.
لقد انعكس هذا الأثر عليها؛ لهذا…
أصرت على أن تكون واضحة للغاية..
لبست حجابها دون نقاب
وأصرت أن تخوض غمار الحياة دون تناقض، دون وجل من ذكر الحقائق…
لم ترغب هذه المرة أن تكسب معركة فلتخسر ما تخسر ولتربح على الأقل الحرب مع نفسها…
كانت تتوقع أنها في حربها هذه قد تكون منبوذة من فئة ما..
حين كانت تدرس في الجامعة تعرفت على دكتور أرمل… وقد ذهبت هناك لتلقي محاضرة حول المجال الذي تدرسه، فإذا به يعرض عليها رغبته في الزواج منها!
– لم تجبه..
فهي لا تزال تعيش الصدمة.
تشاورت مع طبيبها، وكانت لا تزال تخضع للعلاج..
الحمد لله، صارت صحتها أفضل كثيرًا ونفسيتها ممتازة
أليس عجيبًا أمر الدنيا لقد أصبحت تسميه: زوجي السابق دون مواربة لأحد، فقد عاهدت نفسها على أن تتحدث بكل ما لها وما عليها..
أخبرها الطبيب أن زوجها السابق سوف يتزوج الليلة.
قالت: ماذا عن أولادي أخاف أن تكون مشكلة إذا تخليت عنهم..
أجابها:
أتريدن نصيحتي كرجل يرجو لك الخير؟
قالت إنني أستمع لك..
قال:
اعتاد أولادك على نمط معين من المعيشة، وإن كانوا معك سيكون عبء تربيتهم على عاتقيك وهذا ما يريده أي رجل يرغب أن يتخلص من المسؤولية…
فكرت بينها وبين نفسها:
إنهم مراهقون وأي شيء يصيبهم سأتحمل ذنبهم..
لكن ماذا عن صغيري؟
أخذت له جوال
(لم يكن الجوال شائعاً بعد)..
وأخبرته أن يحدثها أي وقت يريد..
هكذا داست على مشاعرها وألمها، وتدريجيًا ألفت ذلك،
شعرت أنه فعلاً كان خيارًا جيدًا…
تفرغت لعملها بحماس وكانت تتابع عند الطبيب بين حين وحين…
سألها: ما أخبارك مع الخطيب؟
قالت: لا شيء نسيت أمره…
هل أنت جاد لتعرض عليّ هذا..
هذا صعب، أولادي والناس!
قال لها: بإمكانك أن ترتبطي معه سراً..
هكذا لن يكون هناك حرج.
فكرت في نمط الحياة الذي اختارته وارتاحت معه
قالت: ذلك محال، إن أهم شيء أنقذني في محنتي هو الوضوح.
إن كنت سأتزوج فسأجلس مع زوجي على طاولة مطعم ونحتفل معاً بالدرجة التي قريباً سوف أنالها، فتلك هي متعة الزواج بالنسبة لي.
قال لها: هل تحبين أن تنتقمي من زوجك السابق؟
قالت: لا صلة له بالأمر
أريد النور والوضوح وأن أعيش وسط من أحب.
قال:
إن وافق على ذلك هل يعني هذا أن تقبلي؟
قالت: بعد أن يقبل هذا، سأفكر جديًا في الأمر، ستكون موجة اعتراض وردود فعل لكنها سوف تهدأ مع الوقت.
جلست معه في باحة الفندق وهم يحتفلون بمرور سنتين على زواجهما، وكان ولدها الأكبر قد تخرّج لتوّه، وابنتها تزوجت، وولداها يدرسان في الخارج والصغير يأتي لها كثيراً، صارت عبير تجتمع مع أولادها كل أربعاء وأكثر، ولم تكن ثمة مشكلة حين تركتهم هناك.