استعرت عنوان المقال من كتاب المفكر العراقي د.عبدالجبار الرفاعي “إنقاذ النزعة الإنسانية في الدين”، الذي ضم مجموعة مقالات وحوارات ودراسات بحثية، ركزت بشكل أساس على معنى الدين، ودوره، والجنبتين الروحية والإنسانية في الدين، بمفهومه الأشمل، الذي يتجاوز النص، إلى التجربة الإيمانية الذاتية، وما يتمثله الأفراد من سلوكيات وقيم، وينتج عنهم من أفكار، تكون نتيجة تفاعلهم مع الدين.
يعي الرفاعي أن العودة إلى النواة الأصيلة أمر متعذر، لا يمكن الإمساك به، بل هو مخالف أيضا للصيرورة البشرية، وإلغاء لمبدأ التفاعلية بين الإنسان ومحيطه. وهو رغم النوستالوجيا التي تتفلت من بين حروفه – بعض الأحيان – صوب البياض الأشد إشراقا، كما جاء في تجارب العرفاء والعشاق، أو تمثل في النصوص الكبرى عن الأخلاق والحب، إلا أن ذلك لا يجعله يرهن ذاته لذلك الحنين، وإنما يدفعه إلى المطالبة بإعادة صياغة معنى “الإنسانية في الدين”، عبر قراءة جديدة متجاوزة وغير تقليدية للنصوص. تكون متوافقة مع حاجيات البشر في عصرهم الحالي، وتتيح لهم العيش المشترك، واحترام بعضهم بعضا.
في كتابه يشير الرفاعي إلى أن “الإنسانية في الدين” تعني “الخلاص والتحرر من نسيان الإنسان في أدبيات الجماعات الإسلامية، والاعتراف ببشريته ومكانته في الأرض”.
مكانة الفرد في أدبيات الإسلام السياسي تم اختزالها في الجماعة، وكأن هنالك تعارضا ماديا قائما بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة. من هنا، تم نفي الأولى، لمصلحة الأخرى؛ ما أحدث خللا عميقا في مكانة الإنسان، وتموضعه، سواء في المنظومة الفقهية أو العقدية أو المشروع الإسلاموي بأكمله.
من هنا، جاء الفقه مصدر أحكام على الفرد تطبيقها كما هي. حتى لم يعِ مقاصد الأحكام وأسبابها. في حين أن الفهم الأكثر عقلانية وعملية، هو أن الفقه ليس بحاكم على الفرد، وإنما خادم له، جاء لييسر حياته، وينظمها، ويجيب عن استفسارات المؤمنين وفق ما يجعلهم منسجمين مع مجتمعاتهم. خصوصا إذا التفتنا إلى أمر غاية في الأهمية، وهو أن الفقه ليس معادلا للدين، وإنما هو أحد تفريعاته الهامشية، ومجال لاجتهاد البشر وتعدد آرائهم.
عبدالجبار الرفاعي يشير أيضا إلى أن مفهوم “الإنسانية في الدين” يقوم بـ”الدعوة إلى السلام واحترام كرامة الكائن البشري، وإشاعة السلام بين المجتمعات البشرية”. وهذا – في رأيه – لا يتم من دون “الحوار”، سواء بين الأديان أو الثقافات.
الصورة عن الآخر لا تكتمل بالنظر إليه من بعيد، وعبر فواصل من القلق والريبة والتوجس، وإنما ينبغي أن يكون هنالك لقاء بين الأفراد المختلفين، والجماعات المتباينة، والثقافات المتصادمة. أن تتبادل النقاشات في فضاء حر، مفتوح، بكل علمية وصراحة. حينها فقط، يعي كل طرف أن البشر سواسية في وجودهم الفيزيقي؛ لهم الحقوق ذاتها، وعليهم الواجبات ذاتها.
عالمٌ يعجُ بالدم والرصاص، والعنصرية ضد الآخر، والكراهية المبنية على العرق واللون والدين. هذا العالم يحتاج إلى جهود أنسنة حقيقية، تقودها الحكومات، والجامعات، والمؤسسات الثقافية والفنية، والمفكرون التنويريون، وينخرط فيها الجميع. وإلا، فالبشرية ستتآكل روحها.
حسن المصطفى
كاتب رأي – صحيفة الرياض