وكنت بينكم غريبًا

كانت هي لحظة لم تجدولها الأيام في ذاتي إلا أنها ذات يقظة من الوقت، أجدني في دنياهم، أصوغها أحرفي الظمأ، فاقدو البصر -المكفوفون -، أناس قدر لهم ألا يبصرون. قد يكون الفقد عاملًا محفزًا نوعيًا، فمؤلم جدًا، ألا تبصر عيناك الطبيعة، والأمكنة، وملامح الأحبة، والأحرف والكلمات، والإنسانية والدفء.

فاقدو البصر، هم مكون من مكونات المجتمع، برغم كل المعاناة، التي تكتنفهم، إلا أنهم مبصرون ذاتيًا، يمنحونك البصر في لغته الأخرى، مراياه، ألوانه، ليعانق مسافات بصرك، عذوبة الألم، لتتحول إلى حياة، وهذا ما أشعر به في كل لقاء، ويشعر به سواي، من الذين كتبوا عنهم.

إنه وبعد رحلة كتابية بسيطة، تعرفت عليهم أكثر، عن حياتهم، وطموحاتهم، وأنّاتهم وآهاتهم، وقدراتهم وإمكانياتهم؛ لذا أتعجب فعلًا، كيف تغيب هذه الكفاءات عن الفعاليات الاجتماعية والثقافية والفنية في المجتمع، فلا نجد معرضًا فنيًا، تنسجه أنامل كفيف، أو كفيفة، لا محاضرة أو ورشة عمل، يقدمها كفيف، أو كفيفة، والقائمة تطول..، -إلا ما ندر-، برغم كل ما يكتنزونه في ذواتهم من إمكانيات، فقط تشحذ الهمم ناحيتهم، حين يحقق أحدهم -الكفيف أو الكفيفة-، إنجازًا، ليتسابق المحتفلون كتابة أو تكريمًا، وبعدها تُنسى، أو يُنسى. يظل الإنجاز حاضرًا في الذاكرة، وصاحبه يقف في الظل ينتظر من يحتضنه، ويفتح الشرفة له، ليتألق الضوء بين يديه، وجنبيه.

في ضمن هذا التطور، الإحداثيات في التواصل، لغته، بوجود قنوات التواصل الاجتماعي، طريقة “برايل”، التي تربط الكفيف، بأطياف المجتمع، حري بنا أن نبرزهم، كفاءات، مهارات..، وتقديمهم بأجملها حلة، لا استجداء العطف، أو مواساة، إنما بكل فخر واعتزاز. هذا ليس فقط من جهة تفاعل المجتمع، إنما ينبغي لهم -المكفوفين-، أن يتفاعلوا، مع الفعاليات، التي تقام، وأن يبادروا في إبراز قدراتهم، وما يتمتعون به، فإن الآخر -المبصر-، يهفو للاستفادة -بالضرورة بمكان-.

كل فئة تكمل أختها، وحقيقة نحن نقرأ بين الفينة والأخرى بعض المقالات، أو الأخبار الصحفية، التي ينسجها بعض -المكفوفين-، مما يسعد القارئ، ويستبشر بها خيرًا، لهذه الخطوة الجديرة حقًا بالإشادة.


error: المحتوي محمي