حتى لا يطول الطريق، أنا أحملكَ اليومَ وتحملني غداً، نقطع طريقنا بالحكاياتِ وتعلمني ما جدَّ في زمانكَ من أحاديثِ السلالمِ والثعابين، ثم لا تتعب من المشي فالسائر نحو المجدِ والأعالي لا يتعب.
بُنَيَّ: لو نظرَ الديكُ في المرآة، وقال إنه طاووسٌ فلن يكون، وأنت غيرَ نفسكَ لن تكون، انفخ صدركَ وأفرد رأسكَ، نُطَّ في الهواء وقهقه، أنتَ أنتَ لا تساوركَ الظنون، كن ما شئتَ، لكن حذارِ أن تقرأَ في المرآةِ أن تموتَ فحينها تموت!
أنفسنا هي الأدواتُ الأكثر عداءً أو صداقةً لنا. أطرافٌ وأحاسيسٌ ومشاعر وفكرٌ يستطيع أن يزرعَ فينا خيالَ الأفاعي التي كلما أردنا المشيَ في الحقلِ وثبت نحونا وتراجعنا، أو تكونَ أدواتٌ كلما تطرفنا في الخوفِ دفعتنا نحو جنونِ الثقةِ والأمن وتصنع من ذاتها سلالمَ نرتقي بها.
أغلب الناس يعطيهم الخالقُ صندوقَ أدواتٍ متشابهٍ من القدراتِ الفطرية كي ينبعثواْ في الحياةِ والتاريخ، ولكن أعداداً قليلةً من البشرِ هي من تترك لها أثراً بعد انتهاءِ الرحلة، منهم من حفر رسمه مع الشياطين، ومنهم من خلّد اسمه مع الملائكة. وأنت سوف تكتشف أن الاصطفافَ مع الشياطينِ لن يتطلبَ منك سوى أن تكونَ واحداً منهم، أما الاصطفاف مع الملائكة فهو الشجرة التي تزهر في حياتك ثم تثمر بعد موتك.
محصلةُ الانتفاعِ بالأدوات هي التي تميزنا عن الباقينَ في البيتِ والمدرسة والعمل وعلاقتنا بالله، وعندما نتكئ على أداةٍ منفردةٍ من هذه الأدواتِ في الحياةِ يختل توازننَا، ولكي تستقر أنفسنا، متى ما غلبت المشاعرُ أضفنا لعقةً من العقل، ومتى ما حاول العقلُ تجفيفَ المشاعرِ طريناهَا في نداوةِ الحبِّ والسلام. وهكذا يصنع رضانا وحبنا لذاتنا المتزنةَ سلالمَ ننطلق منها إلى أعالي قممِ الحياة. تنتظرنا التعاسةُ والمرضُ والفاقة عندما نفقد التوازنَ فلن يحيا سعيداً العاقلُ بعقله فقط، ولن يبتهجَ المجنونُ في جنونه دون عقله، ولا الفقير الذي لا يملك أدوات الاقتصاد والمال.
بُنَىَّ: قوانينُ فيزياءِ الكون تجبر كلَّ الأجسامِ أن تنجذبَ إلى بعضها البعض، فإن أحببتَ صعودَ السلالم، فأنت تعاكس قانونَ الطبيعة وسوف تشدك الأرضُ نحوها بقوة، ولكي تصلَ إلى أعلى السلالمِ فلازمٌ لك أن تستخدمَ كل أدواتِ الصندوق. أما إذا كنتَ في الأعلى وأردتَ السقوطَ فلا تحتاج أي أداةٍ من الصندوق ما لم تطأ الأفاعي. مثل ذلك مثل الطالبِ الناجح في صفك، إن وضعته مع آخرينَ من البلداء فمن النادر أن يأخذهم إليه وفي الغالب أنه ينحدر إليهم.
ليس الرضا عن ذاتنا والقناعة بالحياة أن ننامَ في انتظارِ القضاء، بل الرضا هو أن نحرثَ الأرضَ ونزرعها، ونسقي الزرعَ وسوف تمتلئ الأهراءُ والمخازنُ بالحبوبِ والثمار، وإن لم تمتلئ فلابد أن اللهَ أراد أن يحمينا من الأفاعي ويعطينا شيئاً آخر، ونعود نزرع الحقلَ كله. إن الحياة ليست أن ننامَ أو ننظر في المرآة، ونحلم بما نريد ثم يكون، بل الحياة كثيرٌ من الأتعابِ عندما نكونُ أعداءَ ذاتنا، وقليلٌ من المسراتِ عندما نكون أصدقاءَ ذاتنا.