طفل شغوف بالقراءة

الحب الفطري الذي أودعه الباري (عز وجل) في قلب الوالدين يحيط أبناءهم بالرعاية والحنان، ويحفّزهم نحو العمل لتنمية وصقل شخصية طفلهم بكل ما ينمي قدراته ويستخرج مواهبه الكامنة، ولعل تنمية المدركات العقلية هي أهم ما يقدمانه، وذلك أن دينه وقيمه ونظرته للحياة وهمّته في العمل تعتمد بشكل أساسي على قواه التفكيرية والقدرة على البحث والاستدلال والاستنتاج، وأي تقصير وإهمال – لا سمح الله – يعد جناية بحقه وجفافًا في عاطفتهما تجاهه ، فمنذ الصغر يعرفانه على بيئته ويرتقيان بفهمه وتعليمه أبجديات الأحرف، وذلك أن القراءة والاطلاع هي نافذته على توسيع خزينته وحصيلته الثقافية والارتقاء بذاكرته الثاقبة، وهذا ما يتطلب منهما سعة في الصدر وعملًا منظمًا ومستمرًا يقدم له دائمًا الجديد، وينقله من مرحلة إلى أخرى محفزين له بالثناء والهدايا والاهتمام المستمر.

ولا يدرك الوالدان حجم الجهد الذي يبذلانه من أجل تنمية عقل ابنهما إلا بعد أن تقر عينهما برؤية أدبه وسلوكه ومنطقه المهذب، وليس بعذر مقبول من أحد – لتبرير إهماله لابنه – بأن يحتج بمشاغل الحياة والضغوط الحياتية المختلفة التي تجعله يلهث دون أن يبلغ مراده، فالأولوية في الأهداف والعمل تدعوه لجعل الاهتمام الأول بأبنائه، وأن يجعل المكتبة الصغيرة والكتاب المناسب والقصص حاضرًا في بيئة طفله، ويقدم له ما يشوّقه ويشجّعه على التصفح والمطالعة، وتعزيز ثقته بنفسه من خلال مشاركته فيما يقرأ وطرح الأسئلة عليه، ولا يمكن للطفل أن يصل لمرحلة الشغف بالقراءة دفعة واحدة بل يتم ذلك بشكل تدريجي فيتقدم في كل يوم مرحلة ما، ويدفعه الفضول وحب الاستكشاف نحو مطالعة ما يقدمه الوالدان له من قصص أو كتيب معلومات مفيدة أو تشجيعه على اقتناء ما تقع عليه عينه من عناوين جذابة، فحب القراءة والشغف بتقليب الصفحات أملًا بحديث مع والديه يقدم فيه شيئًا جديدًا لما يقرأه، عملية تدريجية تحتاج إلى جهد ومثابرة من الوالدين.

وتتدرج مهارات التنمية العقلية من خلال القراءة والتلخيص والمحاورة وطرح الأسئلة، وإفساح المجال له بالانطلاق في فضاء إبداء وطرح الملاحظات والتعليق واستناج نهايات القصص المشوقة، وخصوصًا إذا عمل الوالدان على ربط الخلاصات من القصص مع واقعه وما يشاهده من حوله من سلوكيات وتصرفات، فتوقد الذهن وحرفية التفكير وتحسين القدرات يبدأ مع القراءة.

فهناك من القيم ما يسبغ عليه القوة والاندفاع نحو النجاح والتألق في مجمل جوانب حياته، فالقراءة تكسبه الاعتماد على النفس والثقة بقدراته، واغتنام الوقت بما يثري شخصيته ويقدمه كمتميز في بيته وبيئته ومدرسته، ويدفعه نحو النظام وتقسيم الوقت الثمين.

ويقع على عاتق المعلم مهمة كبرى وهي تحبيب القراءة لنفس الطفل والانجذاب للمكتبة، والاهتمام والتحضير الجاد لمادة التعبير، وخلق جو تنافس بين الطلاب لطرح ما قرأه وتلخيص أحداث القصص، وعقد المسابقات التشجيعية التي تحثهم على القراءة.

ولا بد من الالتفات للعوامل المعوقة لحب القراءة، ومنها الإدمان على استعمال وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، فهي ذات تأثير كبير تلقي بظلالها على نمط تفكيره واهتماماته حينما يبقى أمامها لساعات طوال، فتنظيم وقت الطفل وتقسيمه وإعطاء مساحة جيدة للقراءة ومساعدته ومشاركته فيها، سيقدم لنا أطفالًا رائعين، لهم ثقافة عالية وتفكير ناضج يواجهون به مشاكلهم بكل قوة وحكمة.


error: المحتوي محمي