طلبات مدارس البنات

من يُجيد قراءة اللغة العربية يعرف ابتداءً من عنوان المقالة السابقة؛ تلك التي كان عنوانها “المعلمات التاجرات” أنْ ليس ثمة تعميم فيها، فضلًا عمّا جاء من تخصيص بكلمة (بعض) الواردة بين طيات المقالة.

وَمَن دقّق النظر؛ يجد في العنوان الثاني من الأنواع الثلاثة لـ(ال) المُعرِّفة؛ ذلك النوع الذي يُستخدم للتعريف بالجنس، وليس للاستغراق والشمول. وليس بعيداً أنّ من اعتقد بمسألة التعميم قد غفل عن هذا الأمر الذي لا يغيب عن بال الكثير من الناس، سيّما أنّ أدوات العلم والمعرفة طوع بنانه، فليُراجع من شاء، ونكمل نحن الحديث عن طلبات مدارس البنات.

ونعم، أتحدث كَوَلِيّ أمرٍ بناته يدرسن في المرحلة الابتدائية. متحدثًا من معايشة وتجربة وسؤال وفحص. وهذا كما يعلم من يعلم أنه ليس صوتي وحدي.

سَلْ كثيرًا من أولياء أمور البنات عن “طَلَبَات” المدارس، سيجيبك في وصفها من فوره وفورانه بأنّها: “ما تخلّص”.

تلك التي تجعل منهم طوابير يومية كطوابير و”سرا” الخبز في المخابز. وهذه حسنة لو – نقول لو – كانت لطلب العلم حقًّا، تكون معها طلب العلم كما طلب الخبز يوميًّا.

لكنّ هذه الطوابير على القرطاسيات والمكتبات لاستيفاء طلبات لا تتوقف ولا تنتهي. والحقيقة الغريبة أنّ الخبز ينتهي والطلبات لا تفعل.

أغلب هذه الطلبات لإنجاز أعمال تنجزها الأمهات عوضًا عن بناتهن. إما لأنّ المهام المطلوبة ليست مناسبة لعمر الطالبات ولا يُجرى لهنّ تأهيل للقيام بها، والحمل أكبر من أن تحمله الفَرَاشَات الصغيرات.
أو لأنّ الطالبة مشغولة طوال اليوم والليلة بواجبات وتحضير لليوم التالي.

تنام الصغيرة بعد إنهاك من الواجبات والتحضير اللازم، لتبدأ الأم مهمة جديدة من الاجتهاد في أعمال فنية و”مطويات بالحاسوب لزامًا!” و”ملفات إنجاز” تنجزها الأمهات، فتُسجّل للبنات، أو تتخلف عنها الأمهات لعذر أو بغير عذر، فينتظر الطالبة الحرج من عدم “الإنجاز”.

تسهر الأمهات – و”من طلب العُلا سهر الليالي!” على واجبات بناتهنّ الإضافية على ما هو واجب ولا خلاف على وجوبه أولًا.

الواجبات المدرسية المعروفة منذ قديم الزمان. نقول: لا خلاف جدلاً، وإلا فبعض دول العالم، ومنها دول مجاورة بدأت بإلغاء الواجبات المنزلية مستعيضة عنها بخطط بديلة.

تأخذ الصغيرات أعمال الـ”أوڤر تايم” للمدرسة بأسمائهنّ، والكلّ يعرف أنّ الأم هي من أنجزت العمل، حتى إنّ المعلمة تُعجب بالعمل وتثني على الأم، فتمرره للوكيلة، ثم المديرة، والموجّهة أحيانًا، وما زال الثناء على عمل الأم التي تحولت فجأة إلى طالبة تُقيَّمُ أعمالها. والثناء أولاً على المعلمة التي دفعت طالباتها الكبيرات من الأمهات قسرًا “ناعمًا” لإنجاز تلك الأعمال. تلك التي سيكون مصير جُلّها سلة المهملات.

علمًا بأنّ نظام وزارة التعليم يمنع بوضوح إقامة أنشطة أو إعداد وسائل تعليمية بتكاليف مادية يتكلّفها منسوبو ومنسوبات الهيئة التعليمية والإدارية فضلاً عن الطلاب والطالبات، وكلا الأمرين يحصل، إذ نجد معلّمات فاضلات تتكلّفن من مالهنّ الخاص ثمن أعمال وأنشطة، وأخريات تُكلّف بها الطالبات.

الأمَرّ من ذلك أن يُصوِّر بعض المعلمين والمعلمات للطالب وولي الأمر أنّ هذا الطلب المخالف للنظام واجب لا يجوز التخلف عنه بحال.!

تساؤل: ماذا لو نامت الأم لتنال ما تستحق من الراحة، وتوجهت صباحًا باكرًا لمكتب إدارة التعليم في المنطقة لرفع شكوى عن مخالفة النظام؟

فالحقيقة المُرّة أنّ معظم أولياء الأمور والأمّهات يُعينون بسكوتهم واستجابتهم المذعنة لطلبات لا تنتهي تحت بنود لم تَرِد في النظام مفادها؛ “ما أبغا أحرج بنتي أو ولدي” أو “حالنا حال الناس”.. نعينهم على مخالفة النظام وعلينا!


error: المحتوي محمي