
لا أحد منّا بمعزل عن الوقوع العاطفي بشكل أو بآخر، وإن اختلفت النسب والمسببات، ولو في مرحلة ما من مراحل حياته.
العاطفة جزء رئيس من القلب البشري، وبالتالي فهي جزء أساسي من حياة الإنسان بشكل عام، ومن لا عاطفة له لا قلب له، ومن لا قلب له لا عقل له؛ وبالتالي لا ثمار فيه، نحن بحاجة ماسة للعقل والقلب معا ممتزجين امتزاج الروح بالجسد لنصل بالإنسان لمراحل الكمال العالية.
قد تتعلق القلوب بالمستحيل وتبقى على الوفاء، والعهد حتى الرحيل؛ تحت ظلال الأمل تارة، والقدر تارة، وتغيير الحال تارة أخرى، وقد تتعلق القلوب بالممكن اليسير فتتحقق أمانيها ولو بدرجات مختلفة وفي مراحل مختلفة، وقد تتعلق بالممكن الصعب فتمر مراحلها بين مدّ وجزر وعاقبة مجهولة وحياة غامضة مليئة بالرماد، وقد تتعلق بالسراب الوهمي فلا هي بالغة مرادها ولا هي عائدة إلى رشدها.
وفي كل حالة من الحالات تلك رؤى خاصة، وتطلعات، وآمال، وأهداف، وعاقبة قد تختلف تمامًا بين الأطراف، فيها النبيل الطاهر، وفيها الساذج البسيط، وفيها المميت القاتل.
تعلمون أن الإشباع العاطفي بشكل عام ضرورة حتمية لكل البشر – دون المعصوم – بدون استثناء وفي جميع مراحل الحياة، غير أنها تزداد في مراحل وتخف في أخرى تبعًا لمراحل النمو، وظروف المعيشة، وطرائق التفكير، والتربية، والأصالة.
للإشباع العاطفي دور كبير وخطير في السيطرة على المشاعر والأحاسيس، ثم توجيه بوصلتها نحو الأهداف العظمى السامية.
قد تكون العلاقة تجاه فاضل محترم يستحق من الإجلال والحب ما يملأ الخافقين وتحت الضوابط الشرعية، والحدود، والآداب العامة، وقد تكون العاطفة تجاه مَن يستحق جزءًا منها ولا يستحق الجزء الآخر لأن مؤهلاته وصفاته وأخلاقه متفاوتة، وقد يكون الهدف المنشود غير جدير بالحب ولا أهلًا له ولكن القدر جعله ملكًا على قلوب بعض المحبين البسطاء.
قد يكون الحب فطريًا شريفًا عفًا يجمع المحبين تحت راية الهدى، ولباس التقوى، والعلم، والعمل، وقد يكون مبطنًا غامضًا مجهول المستقبل وغريب العاقبة لعدم وضوح تجلياته وأهدافه بشكل تام، وهذا يستوجب الحذر والكياسة والفراسة، وهناك قسم ثالث وهو الحب الوصولي الخبيث الذي يتّبِعُه دهاة هذا العصر تحت شعارات متعددة، وبأدوات مختلفة، وبطرائق لا يرد إليها الشك يومًا.
أحيانًا تحت مظلة العمل الخيري الاجتماعي، وأحيانًا تحت الثقافة والفن والموسيقى والأدب، وأحيانًا تحت الخدمات الإنسانية الرسالية، وأحيانا تحت الدروس الدينية والدورات التطويرية، وأحيانًا تحت الزواج، وغير ذلك الكثير الكثير.
إن ضحايا وعود الزواج اللواتي وقعن ضحايا الشرف لا حصر لها ولا عد، وفي كل المجتمعات، وفي مختلف الطبقات، وتحت ظلال الحب الأزلي.
كُتّاب وشعراء، فنانون وتجار ورجال أعمال، أطباء ومهندسون وموظفون، طلبة علوم دينية ومعلمون وممرضون، وغيرهم الكثير الكثير، أبدع بعضهم أيما إبداع في هذا النوع من العلاقة العاطفية، ومارسوا فكرًا نوعيًا خاصًا للوصول للأهداف المنشودة، وبأقل التكاليف، وأكبر الغنائم، ومازالوا يمارسون أدوارهم المشينة تلك بأبدع ما يكون، وفي وضح النهار أحيانًا، ولا قبل لأحد في إيقافهم أو كبح جماحهم.
وخلاصة القول: إن الحب الخالص المبني على مبررات علمية ومنطقية صرفة، أو عاطفية شريفة وشفافة، أو صدفة أو قدر بريء لا ضير فيه مادام تحت الأطر، والأنظمة، والتشريعات السماوية فحسب؛ وما عدا ذلك فما هو إلا استغفال واستغلال مقنّن يمارسه بعض الذئاب البشرية بأبجديات خاصة، وفنون احترافية فكرية دقيقة، وخلط في المفاهيم والقيم، وتمييع للدين والأخلاق لإسقاط أكبر قدر ممكن من البشر بنوعيه؛ وبالتالي إسقاط الأمم، والمجتمعات لتكون منحلة وإباحية شيئًا فشيء، حتى تصل مرحلة الانفلات المطلق أو التفسخ التام تحت شعارات براقة كالحرية والاستقلالية، والإبداع والحداثة، والمهرجانات والمعارض العصرية، ودور المرأة وكفاءتها ومؤهلاتها، ويوم المرأة العالمي وغيرها الكثير.
نحن مع تقدير دور المرأة، واحترام كفاءتها، وإعطائها المناصب الجديرة بها، وفسح المجال لها للإبداع وإثبات الذات، ومع الحداثة والتألق النسائي، ومع احترام الفكر الأنثوي الموضوعي بتجلياته وأبعاده؛ ولكن عندما يكون ذلك تحت ظلال موضوعية، ومنظمة، ومجردة صرفة، أي بعيدة عن مآرب وأهداف بعض الرجال.
بعض الذئاب البشرية رفعوا شعارات المرأة رايات خفاقة في كتاباتهم، وكلماتهم ليضعوها تحت أقدامهم من حيث لا تعلم، ليس لهؤلاء الوصوليين من أمنية سوى إشباع رغباتهم الجنسية تحت ظلال أقدس فضيلة وهي الحب “وهل الدين إلا الحب”.