الحمد لله الذي جعل لنا العقل زينة وجعل لنا في جنوده قيمة، الحمد لله الذي ألهَمنا الخلاص وحذّرنا من الهلاك، الحمد لله الذي شرع لنا ما يحمي وأبعد عنا ما يؤذي.
الحمد لله الذي حذّرنا من الظنون كَثيرها وقَليلها، لكن ما بالنا ألبَسنا ظنوننا القِناع وسَتَرنَاها بحلةِ الدهاء، حتى تناسيناها وعشنَاها وما عرفنا بالفعل معناها.. كقطع تمرٍ غَطاها التراب فَحسبها الجاهل حصى.
لا يفعلها إلا فلان، أتوقع أنّها هي من أخبرتهم عني، لم يكن أحدٌ معنا حين أخبرته بِسري، نظراتُها تقول إنها هي من فعلت، ما باله مرتبك هو بلا شك من تجرأ وأجرم، هي دائمًا صامتة (لا تخاف إلا من الي كل ساكت)؛ إذاً هي هي، مرَ بجانبي ولم يلتفت إذا هو لا يريدني.. كلها ظنون بمعانيها المختلفة.
فَأحدهم بالعلم تنبّأ والآخر بالمعطيات توقّع، وآخر بالتَخْمين تَعملق وأخرى بالذكاء تَفاخرت وعلى ما مضى من الظنون استندت (ظنوني ما تخيب أبداً).
لكن.. ماذا إذا كان علمك سراب وكان توقعك قصةٌ في بحر خيال؟ ماذا إذا كان تَخمينك وهم وتحليلك مجرد هراء؟ ماذا إذا لم يُحالفك الحظ في ظُنونك كما في السابق؟!
أخبرني ماذا إذا كنت من المُخْطئين المذنبين؟ هل سَتُدير ظهرك حياءً أم سَتغطي وجهك خجلاً؟ نعم إن ربي غفورٌ رحيم يغفر الذنب كله لكنه أيضاً لا ينسى مُداينات العباد.
فَظنونك السيئة دينٌ عليك، لا تخبرني بأنك مخطئ ولا تخبرني أنها مجردُ كلمات، فالكَلماتُ قادرةٌ أن تُصبحُ أكثر قوةً من اللكمات.. بل أخبرني عن ما فعلته الكلمات؟ أخبرني كيف على النفس أثّرت وكيف على القلب أثقلت؟
أقرؤوهم جيدًا قبل أن تَحكموا وانزلوا إلى أرضهم قبل أن تُحاكِمون، فخلف نبضهم إحساس وخلف كلماتهم شعور وخلف صمتهم قصور وخلف أمانيهم جسور وخلف دموعهم بحور.
جرّدوا ثياب ظُنونكم، وتعروا من بؤس أحكَامكم، واهرُبوا من دين رقابكم لكيلا تُصيبونهم جهلًا ولا تؤذونهم عمدًا، فربما ضاق وسيعهم وتلاشى رغيدهم وزاد حنينهم وتألم وتينهم بِظنونكم الخاوية.
ارحموا غريبهم وتلطفوا على أسيرهم وأنقذوا بظنونكم الطيبة عواقبهم وبِرسائلكم الرائعة أحلامهم، غذوا بالأمل أوطانهم.. ارحموهم.
الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ..!