الحدث الذي حاز على اهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين وهو مناشدة سكان البحاري السائقين بتخفيف السرعة عند الوصول لإشارة البلدة؛ جعلني أتذكر الشعار الذي تردد على مسامعنا كثيراً أو قرأناه على لافتة معلّقة هنا وهناك؛ «القيادة فن وذوق وأخلاق»..
لو توقفنا قليلاً عند هذا الشعار وتمعّنّا كلماته؛ لخلصنا لنتيجة واحدة وهي أنه دستور متكامل ينظّم العلاقة بين سائق المركبة والبيئة المحيطة به، والتي تتكون من إنسان وكائنات حية، ونبات وأرض وغيره.
أول كلمة في هذا الدستور هي القيادة وليست السياقة، فالسياقة هي أن تحرك المركبة من موقعها إلى مكان آخر، ولكن القيادة تعتمد على صفات ومهارات القائد ومدى قدرته على تحقيق هدفه بنجاح، فعندما تقود السيارة فهدفك هو الوصول إلى وجهتك سالماً بإذن الله سبحانه وتعالى، دون تهديد أو تعريض حياتك أو حياة الآخرين أو البيئة المحيطة بك للخطر.
وحتى تكون قائداً ناجحاً لمركبتك فلا بد أن تتحلى بعدة صفات بينها الفن، فقد تكون لديك القدرة على تحريك السيارة ولكن ليس لديك القدرة الفنية على التحكم بها في الطريق، وهي المهارة التي يجب على جميع السائقين تعلمها لتجنيب أنفسهم والآخرين الخطر، فكما يتحكم الفنان التشكيلي بريشته ليصل لهدفه في رسم لوحة فنية مكتملة تظهر فيها إبداعاته، كذلك على السائق أن يمتلك المهارة الفنية التي تمكّنه من التحكم في السيارة ليصل لهدفه، والإبداع هنا هو وصولك سالماً مع الحفاظ على سلامة من حولك.
وبما أن قائد المركبة هو جزء من البيئة المحيطه به، فعليه هنا مسؤولية أخرى، وهي الحفاظ على الذوق العام، وعدم تسببه في مضايقة وأذى الآخرين أو الاعتداء عليهم بالتلفظ أو بالأفعال أو حتى الإزعاج أو الاعتداء على بيئتهم عبر رمي المخلفات من نافذة السيارة، وغيرها من التصرفات غير اللائقة، وعليه كذلك مسؤولية مهمة أخرى، وهي التحلي بالخلق الحسن والتسامح في حال تعرضه لأي موقف عابر مع الآخرين في البيئة المحيطة به، والحفاظ على النظام وتشجيع الآخرين على ذلك.
لو تمعّنّا جيدًا، لوجدنا أن كل ما ذكرناه من الصفات التي يجب أن يتحلى بها السائق، هي مقتبسة مما حثنا عليه ديننا الحنيف وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام)، ولكن للأسف الشديد، المعطيات والأحداث التي نشاهدها أو نسمع عنها يومياً تشير إلى أننا في بعض الأحيان نعيش واقعًا آخر، يدل على أننا بعيدون كل البعد عن تعاليم ديننا الحنيف، وتوصيف هذا الواقع لا ينطبق على سلوك المراهقين فقط، والذين قد نتفهم المرحلة العمرية التي يمرون بها، كون هذه المرحلة من المراحل الصعبة، ولكن من المؤسف أن يكون مصدر هذا الواقع هو بعض من يفترض أن يكونوا قدوة للآخرين.
أيها السائق الفاضل، عندما تتسلّم رخصة قيادة، فعليك أن تأخذ بعين الاعتبار أن هذه الوثيقة التي تسلمتها ليست نهاية المطاف، بل بداية ما أشبه بالعقد الاجتماعي بينك وبين البيئة المحيطة بك، فبمجرد أن تكون خلف مقود السيارة تذكر فقط أنك أمام مسؤولية دينية وأخلاقية واجتماعية ووطنية وقانونية، هذه المسؤولية تلزمك أن تكون قائداً ماهراً يحترم الذوق العام والأخلاق، وتذكر دائماً أن التزامك بالأنظمة يحافظ على حياتك وحياة الآخرين.