“الحكيم” ليست من الصفات التي تباع وتشترى وليست شهادة يحصل عليها الشخص من الجامعة فتصاحبه طيلة حياته، بل هي صفة يكتسبها الشخص من واقع معترك الحياة وتبرزها التجارب على مر السنين فيكون المرجع في الملمات والسند في الشدائد والمحن من خلال الآراء السديدة والعقل الراجح والتصرف الرشيد بعيدًا عن الانفعالات العاطفية والمصالح الشخصية.
والراحل العزيز الغالي السيد حسن بن السيد باقر العوامي أبو زكي – رحمه الله – هو تلك الشخصية التي استطاعت بما وهبه الله من وعي وحكمة وحنكة ورأي ورجاحة عقل وإرادة أن يكون رقمًا مؤثرًا في حياة المجتمع، ويركن إليه الجميع للاستنارة بآرائه ومواقفه في مختلف الظروف واستطاع أن يزرع احترامه ومحبته في قلوب الجميع حتى الذين قد يختلفون معه في بعض المواقف.
وهو بالمقابل أوقف جل حياته في خدمة وطنه ومجتمعه، وقضى عمره الذي امتد لأكثر من ثلاثة أجيال في معالجة القضايا المجتمعية والأسرية والوطنية، حيث عايش في ريعان شبابه البدايات الأولى لتأسيس المملكة العربية السعودية على يد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – فقد ساهم مع أقرانه في تلك الفترة في ترسيخ المفاهيم الوطنية وقد شارك في تعزيز التواصل المجتمعي مع الدولة الناشئة وكان يشارك ويرأس الوفود الرسمية والأهلية لمقابلة قادة البلاد وأمرائها والوزراء بهدف معالجة بعض الأمور التنموية والمجتمعية أو المشاركة في المناسبات الوطنية واستقبال الوفود الرسمية.
وكان – رحمه الله – ذا شخصية قوية ورأي صريح، شديد التمسك بآرائه عنيدًا في الدفاع عن قناعاته وكانت رؤاه واضحة وتشخيصاته دقيقة بمختلف الأحداث التي مرت بها البلاد وهو أحد الرموز الوطنية التي ساهمت في تعزيز التواصل لترسيخ الهوية الوطنية وقد كانت له علاقات متميزة وممتدة على مساحة الوطن.
وهو الأديب الألمعي والكاتب الرصين والمحامي الجهبذ والمثقف المتنور والوجيه المتواضع والصديق الوفي فعندما تجتمع كل هذه الصفات في شخص واحد يستحق أن يطلق عليه صفة الحكيم فهو بالفعل شخصية شاملة وطنية تتمتع بالحكمة والرؤية.
وفي حفل تكريمه الأخير الذي تم برعاية منتدى الثلاثاء الثقافي قبل عدة أشهر، حيث كان الحضور ملفتًا من مختلف شرائح المجتمع ومن مختلف مناطق المملكة واتفق الجميع على أهمية هذه الشخصية الفريدة وأهمية أدواره المتعددة في خدمة الوطن والمجتمع.
وفي يوم الرحيل المصادف يوم السبت الخامس والعشرين من شهر جمادى الثاني لعام 1440هـ، خيّم الحزن والأسى على ربوع القطيف فقد أسدلت صفحة من صفحات تلك الحقبة التاريخية المهمة في حياة المجتمع.
وخرج الناس من كل حدب وصوب وتقاطر المعزون زرافات للمشاركة في مراسم التشييع المهيب وساق المتحدثون كلمات النعي والتأبين ونظّم الشعراء قصائد الرثاء في حق الفقيد وبالفعل كان يومًا حزينًا ولكنه القدر الذي لابد منه ولا مفر عنه يخطف الأحبة والأعزة دون مقدمات.
وداعًا أيها الراحل الكبير وداعًا يا حكيم القطيف نستشعر الخسارة الكبرى من فقدك ورحيلك وغيابك عن المشهد.
وفي هذه العجالة وفي لحظات الوداع الحزين نشعر بالتقصير تجاه هذه الشخصية العظيمة، ولعلنا قد نرد بعضًا من الوفاء وهو قليل في حقه، فنهيب بالمجلس البلدي في محافظة القطيف وتخليدًا لذكرى الراحل العزيز أن يتم إطلاق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية في مدينة القطيف.
ولدوره في المجال الأدبي والثقافي نقترح على المناشط الاجتماعية تأسيس جاهزة ثقافية تحمل اسمه، وعمل دورة رياضية لأندية المحافظة باسمه، فهذه الشخصية تستحق أن تبقى حاضرة في ذاكرة المجتمع كي تستلهم منها الأجيال القادمة العبر والدروس في القيم المجتمعية والمثل الوطنية السامية، ويظل هذا الاسم أيقونة محفورة في الذاكرة وراسخة في الوجدان المجتمعي.
وفي الختام، نعزّي أسرة الفقيد العزيز سيما أخيه السيد محسن وأبنائه وبناته وأحفاده الأعزاء خصوصًا ابنه المهندس السيد زكي أبو محمد الذي ورث من أبيه كل الخصال الجميلة، وأدواره المتميزة غير خافية على أحد سواء في المجال المجتمعي أو الهندسي أو الاقتصادي فقد أخذ منهج أبيه في خدمة المجتمع والوطن وكم من القضايا والمهام الكبيرة الذي أدارها وسعى لحلها بصمت ودون تباهٍ وهي صفة الكبار، والعزاء موصولًا لجميع أفراد أسرة العوامي الكرام بل إلى جميع أهالي القطيف الذين غمرهم الحزن والأسى في هذا الفراق، ونسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يسكنه الفسيح من جنته ويحشره مع الأنبياء والصدّيقين وحسن أولائك رفيقًا وإنّا لله وإنّا إليه راجعون..