الأبعاد الأخلاقية والاجتماعية للأسرة

تمهيد
تولي الدول والحكومات اليوم أهمية قصوى للتربية وأساليبها ومناهجها، لما تشغله من أهمية في تقرير مصير الشعوب وتحديد أهدافها، بحيث صار هذا المجال عنصرًا أساسيًا في حياة الشعوب، كما أصبح معيارًا مهمًا لقياس مدى تقدم المجتمعات المعاصرة وتطورها. وأصبح لزامًا على أية أمة تريد النهوض وتحصيل عناصر القوة والاقتدار أن تعطي للتربية الأولوية المطلقة، فإنّه لا تزال صناعة البشر أقوى صناعة وأشدها تأثيرًا وأخطرها نتيجة.

وهذا ما يفسّر لنا نشوء علوم واختصاصات تهتم بهذا الأمر، وكتابة الآلاف من الدراسات والأبحاث في هذا الفن، والتي يدور معظمها حول قابليات الإنسان وقواه العقلية والذهنية، واستعداداته الفطرية والمدى الذي يمكن أن يبلغه والبرامج المناسبة… إلخ.

ويرجع اهتمام الحكومات والأبحاث والدراسات العلمية إلى حقيقة مفادها أن التربية أمر اكتسابي يحتاج إلى تلقٍّ ورعاية وبرامج ومراقبة وتوجيه.

ما هي الأسرة؟ وما هي عناصرها؟
يختلف علماء الأنثروبولوجيا حول تاريخ الإنسان على سطح الأرض وحول أقدم الحكومات والتجمعات السياسية والاجتماعية البشرية، ولكن لا خلاف بينهم على أن الأسرة هي أقدم تجمع بشري عرفه الإنسان، فهي قديمة قدم الإنسان نفسه.

وبحسب تعريف علماء الاجتماع، فإن الأسرة رابطة اجتماعية تتكون من زوج وزوجة وأطفالهما. وهناك من يضيف الجدود والأحفاد وبعض الأقارب على أن يكونوا مشتركين في معيشة واحدة. ولعل الاختلاف في تحديد دائرة الأسرة راجع إلى تحديد مدلول كلمة family في اللغة الإنجليزية حيث يقابلها في اللغة العربية معنيان هما الأسرة والعائلة. غير أن جميع التعريفات تشير إلى حقيقة واحدة؛ هي أن الأسرة تعد أصغر وحدة في تشكيل البناء الذي يقوم عليه المجتمع، وتتشكل على الأقل من زوج وزوجة وتكتمل بوجود الأبناء.

وهنا ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي اقتران مفهوم الأسرة بالزواج؛ فالأسرة ليست مجرد رجل وامرأة يقيمان علاقة جنسية تثمر أبناءً، بل هي علاقة قوامها عقد يحمل في الشكل والمضمون روح المسؤولية والتكليف والإدراك. من هنا كان الزواج في الإسلام رابطة مقدسة عبّر عنها القرآن بـ{الميثاق الغليظ} [النساء: 21].

المرأة: العنصر المحوري في الأسرة
عانت المرأة قديمًا، ولا تزال تعاني الكثير من التهميش والاضطهاد والتحقير، وكان يُنظر إليها نظرة دونية استخفافية، كما كانت تُعامل باعتبارها شيئًا يُمتلك مثلها مثل الحيوانات وسائر الممتلكات. بل إن بعض المعتقدات – كالهندوسية التي تؤمن بتناسخ الأرواح – تعتبر أن المرأة مخلوق غير قابل للتكامل وأن فرصتها الوحيدة لتحقيق التكامل تكمن في انتقال روحها بعد موتها لتحل في بدن رجل في أدوار لاحقة.

ولعل فهم أسباب ودوافع هذه النظرة غير الواعية للمرأة ومكانتها يضطرنا إلى التأمل في الخلفية المعرفية التي تفسر لنا موقف مجتمع أو مذهب أو قانون من ظاهرة ما. فمعلوم أن الرؤية الفلسفية المبتنية على أداة معرفية خاصة والتي تفسر حقيقة الوجود (الله) ومظاهره (الكون والإنسان) تؤثر في الرؤية الاعتقادية، وهذه الرؤية الاعتقادية تؤثر بدورها في البرنامج التشريعي والقانوني والسلوك العملي والبرامج الأخلاقية والتربوية.

وبالتأمل في هذه المنظومة المعرفية المتكاملة في إطارها الإسلامي، نجد أن الإسلام ينظر إلى الإنسان بما هو إنسان أولاً. فالأصالة إنما هي للروح المجردة من قيود الذكورة والأنوثة، وقد تلبست هذه الروح بلباس الرجل والمرأة من أجل أداء وظائف وتكاليف تناسب هذه النشأة المادية وعالم الطبيعة. ونجد أن الآيات والروايات التي تتحدث عن تكامل الإنسان وطي المقامات المعنوية في رحلة سفره إلى الملكوت تخاطب الإنسان كإنسان. وهذه أمثلة لا على سبيل الحصر:

{وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوأُنثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [سورة غافر: الآية 40].

{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوأُنثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [سورة النحل: الآية 97].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [سورة النساء: الآية 1].

والحديث عن محورية المرأة وأهميتها داخل الأسرة طويل، ولكننا نكتفي بذكر هذه الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): “أكثر الخير في النساء” (من لا يحضره الفقيه، ج3، ص385). وهذا الحديث ناظر إلى المرأة بعناوينها المختلفة من المرأة الصالحة إلى الزوجة الوفية إلى الأم المضحية المعطاءة. فالمرأة منبع لأكثر الخيرات؛ فالزواج من المرأة حفظ لنصف الدين، وأداء حقوقها عبادة، وحبها طاعة لله، والظفر بولد صالح منها زاد للآخرة، وخدمتها مدعاة لرضا الله. ولنعم ما قال أحمد شوقي:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعبًا طيب الأعراق

الإنسان والزواج
ورد في لسان بعض الروايات أنه بالعدل قامت السماوات والأرض. والعدل هو وضع الأمور في نصابها فيما يتعلق بالأمور التكوينية، وأما في الأمور التشريعية فالعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه.
إن كل مظاهر الحياة تحكي عن عدل وحكمة فائقين بحيث إذا وُضع شيء في غير محله اختل النظام وسادت الفوضى. وحقيقة الإنسان وطبيعته أكبر شاهد على هذا القانون الطبيعي؛ فللإنسان بعدان، بعد روحي معنوي وآخر مادي بدني، ولا يكتمل البعد الروحي إلا من خلال تنظيم البعد المادي وتلبية احتياجاته بطريقة ملائمة سوية. وقد أودع الله تعالى في الإنسان غرائز وشهوات ولم يأمرنا بكبتها ووأدها، بل إنه تعالى أوضح السبيل إلى تنظيم إشباعها من خلال علاقة تحكمها المودة والمحبة والروح الإيمانية.

وأما أولئك الذين اختاروا إشباع شهواتهم الجنسية بطرق غير شرعية بعيدًا عن الزواج ومنظومة الأسرة، فلنا عليهم عدة ملاحظات، حيث إن هؤلاء لم ينشأوا في أسر سوية ولم يتربوا وفق قيم أخلاقية واجتماعية سليمة. ويتمنى العديد من هؤلاء لاحقًا أن لو كانوا قد نشأوا في أسر مترابطة وعلاقات إنسانية سوية. وقد تصل المسألة بهؤلاء إلى الرغبة في إشباع شهواتهم بأية وسيلة ولو من خلال التعدي على الآخرين.

إن انتشار العلاقات المحرمة في الغرب أدى إلى معاناة الحكومات الغربية اليوم من ظاهرة كثرة الأبناء غير الشرعيين الذين تنفق عليهم دولهم المليارات من الأموال لعلاج مشكلاتهم. كما برزت مشكلة أخرى في هذه المجتمعات، وهي مشكلة قلة النسل التي تهدد وجود هذه المجتمعات مستقبليًا، ويرجع ذلك إلى عدم الرغبة في الإنجاب من خلال العلاقات المحرمة. وقد أدى ذلك إلى تشجيع هذه الدول وتبنيها ظاهرة الهجرة إليها، الأمر الذي أفرز الكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية، بالإضافة إلى مشكلات أخرى خطيرة تتعلق بالانتماء الوطني والهوية وغير ذلك.

وقد أشار النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) إلى الآثار الدنيوية والأخروية للزنا بقوله: “في الزنا ست خصال، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة. فأما التي في الدنيا: فيذهب بالبهاء، ويعجل الفناء، ويقطع الرزق. وأما التي في الآخرة: فسوء الحساب، وسخط الرحمان، والخلود في النار”.

من هنا كان الزواج سنة إلهية حكيمة، الأمر الذي أشار إليه الحق تعالى في محكم كتابه بقوله {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [سورة الروم: الآية 21]. كما أن الأحاديث الشريفة والآيات القرآنية تحث على عدم التشدد في إجراءات الزواج. فالتشدد في الزواج تعطيل لطاقات هائلة يُمكن أن تُصرف في مجالات الإبداع والإنتاج، كما أنه يفرز مشكلات نفسية واضطرابات معنوية يمكن بالإمكان تفاديها من خلال عدم التشدد والمغالاة في إجراءات الزواج.

لقد أصبح الزواج غاية يسعى الشباب لتحقيقها بالمشقة والحرمان والتعب، والحال أن الزواج وسيلة لتحقيق غاية أسمى، فهو أداة راحة البال وطمأنينة الخاطر لأجل أن يتفرغ الإنسان لتحقيق كمالات أرقى وأرفع. لقد أصبح الناس يخلطون بين الوسائل والغايات، وهذا لعمري من أبرز عوامل الشقاء والتعاسة.

إن الإمام على (عليه السلام) حين تقدم لخطبة السيدة فاطمة (عليها السلام) لم يكن يملك سوى سيف وناضح ودرع، فلم يرده النبي (صلى الله عليه وآله وصحبه)، وإنما قال له: “أما السيف فيجاهد به في سبيل الله، وأما الناضح فينضح به على نخله وأهله”. فكان مهرها (عليها السلام) أربعمائة درهم فضية ثمن درع علي (عليه السلام) الذي باعه. وقبض الرسول (صلى الله عليه وآله وصحبه) الدراهم وأعطاها لبعض أصحابه ونسائه ليشتروا أثاثها الذي كان غاية في التواضع. ولما نظر النبي إلى جهازها بكى ورفع رأسه إلى السماء وقال: “اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف”.

الأهداف الاجتماعية والأخلاقية للزواج وتشكيل الأسرة
تكشف لنا الدراسات والأبحاث التي أجريت داخل السجون ودور البغاء والمصحات النفسية وبين العديد من الطلاب المشاغبين في المدارس أن السبب الرئيسي وراء وقوع من أجريت عليهم هذه الدراسات في المشكلات هو الأسرة. ومن هنا انتبه المربون والقائمون على وضع وتنفيذ البرامج الدراسية والاجتماعية والنفسية والتربوية إلى خطورة الأسرة كعامل أساسي في تشكيل شخصية الفرد وبالتالي في تبلور ماهية وقيم المجتمع. وسنستعرض باختصار جملة من الأهداف التي من المرجو أن تتحقق من وراء الزواج وتشكيل الأسرة.

الاستجابة لنداء الفطرة وتفتح القابليات
عندما يتزوج الرجل والمرأة استجابة للفطرة واتباعًا لأمر الله وسنة الأنبياء، وينجيان بالتالي من منزلق العذاب الإلهي والشرور الباطنية، وينعمان بالطمأنينة الفكرية والأمان النفسي في ظل الزواج، ويتغلبان على المشكلات الناجمة عن حياة العزوبية، ويشقان طريقهما نحو السعي إلى تحقيق أهداف سامية، وتتوفر لهما الأرضية الملائمة للتفكير الصحيح والرؤية المستقبلية، ويخبو طغيان الشهوات والغرائز داخلهما، فمن المتوقع أن السبيل سينفتح لنمو الطاقات الكامنة لديهما وتثمر نتائج ممتازة.

وتشير صفحات التاريخ إلى أن العديد من العلماء والعظماء والمصلحين قطعوا بعد الزواج مسيرة سنوات طوال في مدة وجيزة، وارتقوا في ظل الزواج الذي كان سببًا في استقرارهم وراحة بالهم إلى مقامات شامخة.

كما أن الزواج يصون الوجود الإنساني من الخطر؛ حيث يعد عاملًا للوقاية من الخطر وسببًا لحفظ سلامة الروح والبدن. وقد أشرنا سابقاً إلى خطورة الزنا وآثاره المدمرة. وعلاوة على أن الزواج يحفظ العفة، فهو أهم عامل للوقاية من المفاسد المعنوية والأخلاقية؛ حيث يُخضِع الزواج أهواء الإنسان فيصون عينه وفرجه وكافة أعضاء بدنه. وعلى هذا الضوء نستطيع أن ندرك عمق الحديث النبوي: “من تزوج فقد أحرز نصف دينه”.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الزواج يبعث على المودة والرحمة حيث يميل الإنسان بطبعه إلى المحبة والمشاعر الدافئة الصادقة وإلى من يشاركه ويبعث فيه الأمل والطمأنينة. والزواج هو أفضل السبل التي تشبع هذا الميل: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [سورة الروم: الآية 21].

كما أن الزواج مقدمة لتوليد وحفظ النسل وإعمار الأرض بزيادة المؤمنين فيها. فالأسرة هي المدرسة الذي يشجع الإسلام على تأسيسها لتخريج عناصر مؤمنة قادرة على حمل لواء الأمانة الإلهية وتشكيل المجتمع الذي تحكمه الرؤية الاعتقادية التوحيدية وأحكام الشريعة الغرّاء. من هنا أيضًا نستطيع أن نفهم الحث الأكيد في الروايات على الزواج بالمرأة الولود.

إن البيت الذي يقوم بناؤه على زوجين يراعي كل منهما حقوق الآخر هو البيت الذي تغمره السلامة والأمان. ويجب أن يكون بين المسلم مظهرًا لوحي الله ومحلًا يتجلى فيه ذكره {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [سورة النور: الآية 36]. ويدعو القرآن للزواج للتخفيف من المشكلات التي يعاني منها الرجل والمرأة، فهما في أجواء هكذا بيت عبدان حقيقيان لله، وأولادهما ثمار الفضيلة وأعمالهما وسلوكهما مظهر للآداب الإلهية وسنن الأنبياء الكرام. وحين تقترن المؤمنة بالمؤمن ويرى كل منهما أنه مكلف بمراعاة الأوامر الإلهية، فإنهما يحافظان على أجواء الحياة الأسرية من المشاكل بوصفهما خليلين يعين أحدهما الآخر، وحين يواجهان مشكلة ما يبادران إلى حلها بتعقل وحسن تدبير ويعالجان المواقف بالصبر والحلم والتفاهم وسعة الصدر.

شر الناس
إن الانزواء والانعزال والابتعاد عن الصحبة الطيبة يؤدي إلى الكثير من المشاكل والكآبة وقسوة القلب، كما يعد ذلك سببًا في إثارة التشنجات النفسية والعصبية ويورث أمراضًا نفسية وبدنية. إن العزلة تجعل الإنسان يغرق في بحر من الأوهام والخيال والأفكار البعيدة عن المنطق والأمراض الأخلاقية والنفسية.

والسبب في ذلك هو وقوعهم في الفساد والمعصية، حيث يصيرون عاملاً في إثارة المضايقات لمجتمعهم ويتسببون بخلق مشكلات جمة. والمحافظة على الشاب بمنأى عن الفساد والإفساد دون الزواج أمر يكاد يكون مستحيلًا. ولو وجدنا شابًا طاهرًا نزيهًا في الظاهر والباطن وهو غير متزوج فهو من أولياء الله ويوسف زمانه.
واستنادًا إلى الآيات والروايات والتجارب العملية فإن الزواج يكرّم الإنسان ويخلّصه من بواعث استحقاق العذاب الإلهي، ويحفظه من الرذيلة والانحدار ويحصّنه من الوقوع في شراك الشيطان، ويصون المرء من أن يصبح مصدرًا للشر والفساد وبالتالي يتعرض لسخط الله. وكل ذلك مدعاة لشيوع الاستقرار والطمأنينة والأمن والطهارة والتقوى في كافة شؤون الحياة وتخفيف أعبائها.

من هنا نستشف الحكمة من تشريع الزواج كما ورد في القرآن {يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ} [سورة النساء: الآية 28].

السعي من أجل العيال عبادة
يهب الزواج والعناية بالعيال الإنسان معطيات معنوية عجيبة، بالإضافة إلى الآثار الدنيوية البنّاءة. فالعمل والسعي لتأمين احتياجات الأسرة يعد في نظر الإسلام عبادة تعدل في درجتها الجهاد في سبيل الله كما ورد على لسان النبي (صلى الله عليه وآله): “الكاد على عياله من حِلّ كالمجاهد في سبيل الله”.
إن أداء حق الزوجة والأولاد والاهتمام بشؤونهم الروحية وأمورهم المادية، ومراعاة حق الزوج من قِبل الزوجة، وحق الأولاد من قِبل الأم، كلها أمور مضنية وصعبة وتأتي استجابة لأمر الله به. ومن هنا فقد عُدّ ذلك عبادة وسببًا في الحصول على الأجر والثواب.

إن تربية الذرية الصالحة عمل عظيم يؤدي إلى نيل رضوان الله. ومن أفضل الأعمال المحافظة على الدار وأهلها بعيدًا عن الفساد والإفساد، وتوفير الأرضية المناسبة لتكامل الزوجة والأبناء. فالمجتمع هو ثمرة البيت. والبيت كالأرض، فإن كانت الأرض بمعزل عن الحق فهي أرض جدباء قاحلة لا تثمر، وإن كانت مرتبطة بالحق فمن الطبيعي أن نتوقع منها الزهور والثمار.

إن سعادة المرء أو شقاءه تنتقل إليه من أبويه بالدرجة الأولى، ومن وحي التفاتهما وسعيهما ووعيهما وسلوكهما. قد يشير إلى هذه الحقيقة ما ورد في هذه الرواية: “الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من سعد في بطن أمه”.

ليكن الهدف من الزواج ساميًا
ينبغي أن يكون هدف الإنسان من الزواج هدفًا معنويًا طاهرًا طاعة لأمر الله واتباعًا لسنن الأنبياء، ولتوفير السعادة ووسائل التربية الإلهية الصالحة للأفراد. وعلى الزوجين التأهب عن طريق الزواج للدخول في عبادة كبرى هدفها بلوغ مرضاة الله. وعليهما أن يعلما أنهما يحملان أمانة إلهية تتمثل في الأبناء، فالابن ضيف في صلب أبيه لفترة وجيزة ثم يحل ضيفا في رحم الأم لفترة أخرى. وخلال هاتين المرحلتين يكتسب كل ما لدى الأبوين من طبائع ومزايا. ويُنقل أن النبي (صلى الله عليه وآله وصحبه) كان يأذن أحيانًا للنساء الحوامل بالذهاب لمشاهدة مواقع القتال، لما في ذلك من تأثير على الجانب الروحي والمعنوي في شخصية الأبناء.

فلا تكن العين هي الوسيط بيننا وبين الزواج، ولا تكن الشهوة الدليل الذي يقودنا نحو الزواج، ولا تكن الغاية من الزواج الحصول على المال والثروة والجاه، ولا يكن الغرض من هذا الارتباط الظفر بوجه جميل في الظاهر. لنجعل الله هو الغاية من الزواج حتى يكون الزواج ذا منافع أبدية، ولتكن الشهوة واللذة تابعتين لهذه الغاية السامية كي تكتمل اللذة والمتعة بنيل الأجر الأخروي. {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [سورة الفرقان: الآية 74].


error: المحتوي محمي