في مسجد الرفعة حيث يصلي والده المتدين والذي يأمر أبناءه بالمواظبة على الصلوات ويصطبر عليهم ويسألهم عنها ليل نهار، فإذا جاءه أحد أبنائه يكيل عليه سيلًا من الأسئلة ويحاسبه على التأخير، كما أنه يعلّم أبناءه فروض الصلاة وواجباتها ويختبرهم بين الفينة والأخرى في الوضوء والطهارة والمسائل الشرعية وغيرها جزاه الله خير الجزاء.
وليس الأبناء سواسية وليس الأيام كما هي، فيتباطأ البعض ويتكاسل وقد يفوّت صلاة أو أكثر.
ولكن والده العارف لهذه اللّفّات والدوران يلاحظها ويتابعها، وما إن يعلن المؤذن وقت الصلاة حتى يراقب ويتأكد من إنجازها بكل حرص وأمانة.
وفي تلك الليلة العجيبة وقبل أن يُنْكَبْ العشاء أي يوضع الرز في الصحن، وكالعادة عندما استقر الجميع: تبدأ الأسئلة التي تنقله إلى مشهد الواقعة علّه بعد التأمل في الصلاة يتذكر أحدًا في المسجد.
وَيْن صلّيت؟ رفع رأسه وقال: في مسجد الرَّفْعَة، وشافك أحد من اللي إصّلوا؟ قال بكل فخر: إي، مِن شافُك؟ رد قائلًا بملء فمه: “بعد ما صليت جيت إلى ملا حسن امغيزل وسلمت عليه”، فعدّل والده جلسته واتّكأ مستعدًا للسؤال التالي: “أُ مِنْ بَعَد؟ أيضًا”، قال: “أُ حجِّ رضي الشايب؟”، رد أبوه متعجبًا: “ماشا الله وسلّمت عليه؟”، قال بكل ثقة: “نعم، أُ گِلت: لِهْ غفر الله لُكْ، گال لِيِّي: سلِّم على أبوك”، رد الوالد متهكمًا: “الله يسلمه أُ مِنْ بَعَد؟”، قال: “أُ حجِّ علي عوجان”.
فجلس والده هذه المرة باتجاهه قائلًا له: “يا ولدي هادِيلا إللّي عددتهم سهل الله عليهم (كلهم في االحج، فأُسقط ما في يده لأنه لم يُصلِّ في المسجد ولم يصِلْ إليه ولم يسلِّم على أحد فيه وانكشف أمره وبانت كبِينَةَ كذبه، فتَأْتأَ ومَأْمَأَ ولم تخرج منه إلا ضحكة صفراء لأنه سيتوضأ ويصلي حالًا (ولا يُدَحْلِبْ جِزَمْ) أي لا يؤلف القصص الكاذبة مرة أخرى.