وداعًا… سارة!

في رثاء الطفلة سارة محمد عبدالعزيز آل داؤود، من أهالي تاروت أرض الجبل، عن عمر ناهز 11 سنة على لسان حال والدها.

بكت عيوني آلام الفراق، فردّ قلبي الحزين باحتراق: كيف للقلب أن ينساكِ يا سارة؟ يا من في الفؤاد سكنتِ، فضرب لي موعدًا مع الفراق؛ فكان الحزن الآتي، فقال لي الفراق: ما بال هذا القلب بالحزن قد مات؛ فحاولت أن أتكلّم أو أفسر ذلك الحزن العميق، حاولت تفسير ذاك الشعور المؤلم، حاولت أن أعبّر للفراق عن ألمٍ اجتاح الفؤاد ولكن ما استطعت؛ فجاءتني حروف الفراق من القلب أقولها، ومن الروح أرسلها، ومن الألم سطرتها، لامتني نفسي لفراقكِ، ولامتني عيوني لرحيلكِ، ولامني القلب الحزين لغيابكِ، فارقتكِ وقلبي أسيركِ، فارقتكِ وعيوني تبكيكِ، فارقتكِ ولم تنس شفتاي اسمك، قلبي الحزين سيظلّ يذكركِ، وقلمي المتألّم سيظل أسير ذكراكِ، فاختلط دم القلب بمدادِ القلم ليذكركِ، رميتِ قلبي بسهمٍ من الأحزان؛ فاستقرَ سهمكِ في صميمِ الوجدان، فبكى القلب على ذكرى من كان.

وترحل آخر قوافل العمر إلى حيث لا عودة.. وتشاء لي مقادير السماء أن أخط رثاءً آخر.. وأي رثاء.. رثاء بكل سواد الخليقة منذ أن خُلق السواد..

رحلت سارة وها أنا وجه بائس يائس عاجز قانط إلا من رحمة الله.. لم أعد أملك سوى الرثاء والهذيان وبضع كلمات بلا مضامين.. حتى كلماتي أصبحت فاقدة لكل المضامين.. رحلت سارة ورحل معها كل العمر.. لم يتبق لي سوى اختلاجات نفسي تعصف بها رياح الانكسار وبضع سنوات أو لربما ساعات أمضيها مُناجياً الرحمن أن اقض بعدلك ما تشاء من الأحكام ولا تكلني إلى نفسي تقضي على ما تبقى لي من إنسان..

رحلت سارة غاليتي واسطر ما شئت من المعاني والمرادفات من تلك التي عرفها أهل الأرض منذ أن كان هناك لغة وكان هناك إنسان.. حروف اسمها حملت لي دائمًا كل تلك المرادفات..

أصبحت تلك المُرادفات لا معنى بلا مضمون بلا أي دلالة.. انتهت من كل قواميس اللغات التي أعرفها..
رحلت سارة وأصبحت قواميس اللغات عندي حكراً على كلمات السواد والظلام ومرادفاتها من تلك التي تعبر عن حال من ينتظر أجل الرحيل..

رحلت سارة ورحلت معها ضحكاتي ابتساماتي دموعي أحزاني وأفراحي.. رحلت معها كل تلك التناقضات التي كنت أعرفها.. رحل معها حتى الإنسان.. لم يتبق لي سوى بعض من جسد وبعض أنفاسٍ.. يقيني أنها لن تطول كثيرًا!
رحلت سارة وتشاء مقادير السماء أن يأتي رحيلها بلا موعد.. رحلت سارة ولم أملك حتى وداعها أو لمس ضحكاتها..
رحلت سارة ويقيني أننا مازلنا على موعد آخر هناك.. ويقيني بعدل الرحمن ألا يطيل موعد اللقاء..


error: المحتوي محمي