ثقافة تقييم ما بعد الخدمة وثقافة الشكوى ومتابعة المشكلة هي بغرض تحسين الخدمة في المقام الأول، وليس مسألة شخصية وما أو من يجعلها شخصية قد يرجع لأمور نفسية غير سوية.
مثال وهو مجرد مثال: عندما أتقدم بشكوى على أداء الموظف أو الدكتور أو الممرض في مستوصف الحي، فأنا لا أقصد الشخص بعينه بل أقصد الخدمة نفسها وأطمح إلى تحسينها وسواء كان سبب القصور أو التقصير مني أو من الموظف، يجب أن يأخذ منحى موضوعيًا واحترافيًا (professional) لا أن يشخصن الموضوع ويصبح حقدًا وبغضاء بين المواطن مثلًا والموظف.
لا أبالغ إن قلت إن أداء الوزارات الخدمية والدوائر الحكومية والمستشفيات وما يشاكلها وهو بالمناسبة في تطور ملحوظ وجهود يشكر عليها المسؤولون، لن يتحسن بصورة سريعة إلا عن الطريقة الشكوى والمتابعة المستمرة.
فمثلًا لو تقدمت بشكوى على تأخر الممرض عن دوامه الرسمي وتابعت الشكوى، سيتحسن أداء المركز الصحي في الحي، ولو تغاضيت سيستمر الوضع لأن المسؤولين أو المعنيين في الإدارة لا يعلمون هل تأخر فلان أم لا، ولو كان الموظف لديه وجهة نظر أخرى وكان تأخره ضمن الضوابط المسموح بها فليس له الحق بأن يأخذ في خاطره هذا إن كان له حق.
ولو تقدم جميع سكان الحي الذين إن افترضنا أنهم 10 بالشكوى في البلدية على سوء الشارع المقابل لمنازلهم، وتابعوا الشكوى بشكل مستمر وتكاتفوا لن يظل هناك شارع غير مرصوف بالشكل الذي يرضي الجميع، وإن لم تتم معالجة المشكلة، وهذا ما أستبعده يمكنهم بشكل فعال نقله لوسائل التواصل التي لا ترحم أحدًا في هذه الأيام ودعم بعضهم البعض ليصل الصوت.
عندما تقدمت بشكوى على المركز الصحي وعبرت عن مشاعري ولو كانت سلبية أو مؤذية للبعض كنت في المقام الأول أطمح لتحسين الخدمة ولم يكن قصدي شخصيًا أبدًا فلماذا تشخصن الأمور؟ أليس من حقي أن أشتكي؟ وأليس لي الحق في التعبير؟
وتأكد يا عزيزي القارئ أنك لو وجدت الباب مفتوح والحل السريع موجود ولا يكفي باب مفتوح وحل غائب مفقود، فإنك لن تتقدم بشكوى على أحد، ولكن عندما ترى الجميع يدًا واحدة يدافعون عن بعضهم البعض فتأكد أنك تواجه كيانًا همه نفسه ولن تجد لنفسك مخرجًا ومزيلًا لهمك فوق وجعك وتعبك إلا الاتصال بوزارة الصحة.
لو كنت أنا موظف وتقدمت عليَّ شكوى فإني سأراجع نفسي ألف مرة وسأضع كل الاحتمالات، مخطئ ويجب عليَّ تصحيح خطأي وثم بعدها سألتمس العذر، ففي النهاية أنا موظف وهذا عملي خدمة المواطن أو العميل أو المريض، ولست جالسًا أخدم أحدًا بدون أي مقابل، بل أقبض في تهلية الشهر مرتبًا نظير تحملي وخدمتي للمواطن.
وإذا كنت موظفًا وتقدم أحدهم عليَّ بشكوى وكنت متأكدًا أن الحق معي فلماذا سأهاب الشكوى؟ ولماذا سأجعل الموضوع شخصيًا؟ بل سأقول اللائحة تحميني وأنا موظف مأمور والحق كل الحق لك أن تتقدم بشكوى، ففي النهاية أنا أعمل لأجلك ومن أجلك وبدونك أنا عاطل.
ماذا لو تقدمت بالشكوى لدى مدير في مستشفى خاص هل سيتم شخصنة الموضوع؟
أيها الأحبة لو لم تعجبك الخدمة المقدمة من أي مكان حتى لو كان مطعمًا، تقدم بالشكوى وتابعها لتتحسن ولنجعلها ثقافة من أجل الارتقاء بكل المجالات، ولا تجعلوها في قلوبكم وفي مجالسكم بين الناس ومن ثم تقولوا إن الخدمة كانت سيئة فأنتم سبب في جعلها سيئة، وأقول للإخوة الموظفين الذين يتعاملون مع الناس في كل القطاعات؛ إن كنت متأكدًا أنك تؤدي عملك على الوجه المطلوب فلا تخف، وإنك كنت تشك في خدمتك فحسّنها ولا تنتظر أن يشتكي عليك أحد لتخرج علينا بردّة فعلك وهي أنك كنت تعمل على الوجه المطلوب وكل العيب من المشتكي وأنت تعلم يقينًا أنك مقصر ولن يتقدم عليك أحد بشكوى دون أن يكون هناك سبب (في الغالب).