نظم منتدى الخط الحضاري بالقطيف، يوم الأحد ٢٤ فبراير ٢٠١٩م، ندوة بعنوان “هرمونطيقيا الزمن وأثره في تطور الجدليات المنطقية”، قدمها الكاتب رياض أحمد السليم.
وأكد “السليم” أن الزمن كفيل بتفسير الكثير من القضايا العلمية والفلسفية والمنطقية نتيجة النضج العقلي، والتطور المعرفي للبشرية، فالكثير من المسائل العلمية كانت تعتبر لدى القدماء إشكاليات كبرى يصعب حلها، ولكنها الآن بفضل العلم الحديث نعتبرها بديهية.
وقال: “الزمن كان عاملًا أساسيًا في بلورة الكثير من الأفكار بحيث كان لكل حقبة طابع فكري معين تتميز فيه أنواع معرفية محددة نتيجة احتياجات معيشية تفرض على المفكرين انشغالات فكرية محددة، تبدأ كتوجهات ومن ثم تتحول إلى مدارس وتيارات فلسفية، ومن ثم تنعكس كهوية حضارية وثقافية مميزة، فهل يمكن التعرف على مراحل تطور المنطق وطبيعة كل حقبة وكيف تتولد الأسئلة وكيف تتطور الجدليات وإلى أين تتجه؟”.
ثم قسم “السليم المحاضرة إلى فصلين الأول؛ هوية علم المنطق وطبيعة تطور التفكير البشري، إذ قال: “من أفضل النعم التي منّ الله بها على الإنسان هي نعمة العقل، وبهذه النعمة صار الإنسان مكلفًا، وبهذه النعمة صار أهلًا ليحمل الأمانة ليكون المخلوق الأكثر كمالًا من بين كل المخلوقات، ولأجل هذا استحق آدم أن يأمر الله الملائكة بالسجود له”.
وأضاف: “هذه الأمانة التي حملها الإنسان هي العلم والعدل، وبهما يعمر الإنسان الأرض ليكون خليفة الله فيها، وحريٌ بالإنسان أن يعمل عقله من خلال التفكير والتفكر والتدبر والتأمل والإبداع والابتكار والتطوير، ولكن عملية التفكير لا تسلم من وجود أخطاء واشتباهات، ومن هنا تنشأ الحاجة إلى التعرف على قوانين التفكير وتعلمها لضمان سلامة التفكير من الخطأ”.
وتابع: “ومن هنا أيضًا ولدت الحاجة إلى تقنين العلوم، وإلى تأسيس علم المنطق، وبالتالي فعلم المنطق هو علم قوانين التفكير التي من خلالها يحصل الإنسان على المعارف، ويؤصل العلوم، وينظمها وينميها، ويبني الحضارة ويطورها، فلا يزال العقل البشري، والإدراكات المنطقية تتطور، وتمر بمراحل عدة نتيجة تطور التفكير المنطقي الممنهج، وهذا يدعونا إلى نعيد قراءة التطور المنطقي والفكري في إطارها الزمني”.
وعنون “السليم” الفصل الثاني بـ “مراحل تطور علم المنطق”، حيث قال: “تطور علم المنطق تماشيًا مع تطور التفكير البشري وتطور الفلسفة والعلوم، بحيث كلما تطورت العلوم تطورت أساليب التعريف والاستدلال، ويتم اكتشاف معايير وأدوات جديدة تقنن عملية التفكير العلمي، وتزيده دقة تصونه من الخطأ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهي تمهد للمنطق طريق الإبداع والتجديد والابتكار”.
وأضاف: “فالعلوم المنطقية التي بين أيدينا الآن بمختلف مناهجها لم تصل إلى هذه الدرجة من الدقة والإحكام في يوم وليلة، بل استغرقت آلاف السنين كي تصل إلى هذا المستوى من الدقة، وساهم في تطويرها آلاف العلماء عبر التاريخ حتى وصلت إلينا بهذه الصورة التي لا تزال تتكامل، ولو أردنا استرجاع تاريخ تطور علم المنطق في مشهد سريع سنرى أنه يمكننا تقسيمه إلى عدة مراحل أساسية حسب تطور أساليب البحث المنطقي”.
وحول مرحلة المقاييس والمعايير الأخلاقية أكد “السليم” أن أكبر خطر كان يهدد العلوم، ويهدد التفكير السليم هو اتباع الهوى، وعدم الإنصاف، وما ينتج عنه من خيانة علمية، ومغالطة ومجادلة بالباطل، تتنكر للحقائق، وتلبس الباطل لباس الحق، وهذا الاتباع للهوى هو إضاعة للإنصاف، وهذا هو الخطر الأكبر الذي كان ولا يزال يهدد عدالة ميزان علم المنطق.
وتابع: “من هنا كانت المرحلة الأولى للمنطق هي مرحلة الدفاع عن الإنصاف والعدل، وعن القيم والمبادئ الأخلاقية التي من خلالها يتم إعطاء القيمة للحقائق العلمية الثابتة، وبهذا تجد المعرفة أرضية صلبة لتبني بنيانها المعرفي عليها، وبهذا تجد طريقها نحو النماء والازدهار، وعليه فنجد أن قيمة العدل والإنصاف تشكل حجر الأساس لعلم المنطق بل ولكل العلوم الرياضية والطبيعية والإنسانية”.
فيما طرح المرحلة الثانية وهي المعايير العقلية النظرية، قائلًا: “أدى تطور الرياضيات والهندسة والعمارة إلى تطور عملية الاستدلال والبرهان، فقد كان الفلاسفة القدامى يشعرون عند دراسة الرياضيات والهندسة بوجود أساليب برهانية دقيقة محكمة، فكانوا يتبعونها بسليقتهم، ويحاولون محاكاتها في العلوم الأخرى لتكون عملية الاستدلال سليمة ومنتجة كي لا يتسلل الخطأ إلى عمليات الاستدلالات العقلية لكي يقطعوا الطريق على المغالطين والمجادلين من تركيب استدلالات خاطئة”.
وأضاف: “ولذلك كان أفلاطون ومعظم الفلاسفة من قبله من هنود ومصريين وبابليين يجعلون من دراسة الرياضيات والهندسة مقدمة وشرطًا لمن يريد دراسة الفلسفة ليكون ذهنه متمرسًا على الاستدلالات العقلية”.
وختم المحاضر “السليم” قائلًا: “يجب أن لا ننسى دائمًا أن الفلسفة هي الحكمة بكل ما تحمله كلمة حكمة من معنى، وبكل تطبيقاتها في التفكير والعلم والعمل والسلوك، فالحكمة هي التي تؤسس أصول المعرفة، وتشيد بنيان العلوم، وتدفعها نحو التكامل بطريقة مستمرة، وليس صحيحًا ما يجري من إفراغ للفلسفة من معنى الحكمة لتكون مجرد آراء وأفكار”.