للرجال

لأني جئتُ ساعةَ الميلادِ رجلاً أوصتني أمي ألاَّ أبكي، وألا أشكو، فأنا سوف أقهر كل ألمٍ وأرتقي كل القمم، حتى الموت فأنا الذي سوف أغدر وأفتك به عندما يأتي ولن ينال مني مهما ضعفت! عندي من الكبرياء ما يكفي كي لا أقولَ آه من أي مرضٍ أو أزورَ طبيبًا وإن كان لابد من الدواءِ فأنا الرجلُ وحدي سوف أعرفُ الدواءَ الذي ينفعني ويشفيني.

لا تعجل فليس هذا صوتي من يتكلم، ولكن كل أصواتِ الرجالِ تقريبًا في العالم!

يختزن الرجالُ مثل أحد أصدقائي الكثيرَ من الكبرياءِ والأنفةِ من أن يضعفهم ألمٌ ويضطرهم لزيارةِ طبيب، حتى إذا “جاوزَ الحِزَامُ الطُّبْيَيْنِ” زاروا الطبيبَ وعندها إما أن يكون المرضُ استحكم فلا يمكن إيقاف مَدِّه، وفي بعضِ الحالاتِ لا يأخذونَ الدواء الذي يعطيهم الطبيب أملاً في الشفاءِ دونه. لم تقضِ آلامُ صديقي عليه فجأةً والمرضُ أعطاهُ الكثيرَ من الأجراسِ والعلاماتِ بأن الأمرَ سوفَ يصعب ولكنه اختارَ أن يتجاهلَ سماعَ كل الأصواتِ مما اضطر أهله أن يأخذوهُ للطبيبِ عنوةً وبعدها بدأت رحلةُ الموتِ الشاقة!

ليس فقط الرجل الشرقي أو الغربي بل كل الرجال يحملونَ جيناتِ الرجولة في شواربهم وينشأونَ على نصائحِ أمهاتهم ألا يبكونَ وألا يضعفونَ وألا يقولونَ آه عندما تعضهم الأيامُ بنابها. بحث صديقي عن أعذارٍ منها أن وقته لا يسمح بزيارةِ الطبيب، ولكنه كان يخفي البوحَ بالألمِ تارةً خوفاً على رجولته التي اكتسبها مع الولادة واحتفظ بها حتى الوفاة، وتارةً الخوف من الفحصِ الذي سوف يفترع رجولته مثل بقيةِ الرجال “الأربعين في المائة” الذين لا يرونَ الطبيب إلا حينما لا يكون لهم إلا ذلكَ الخيار، ومنهم “عشرون في المائة” تحت إصرار عائلتهم!

نحنُ الرجال نشعر أن رجولتنا تهترئ أمامَ صغارنا وأزواجنا، فكيف نضعف ونحن السند والعمد الذي يجب عليه أن يقفَ في وجه العاصفة مهما اشتدت، وأن في البوحِ بالألم ضعفٌ وانكسار والاصطفاف مع النساء والصغار. ولكن لا عليك يا صاحبي؛ لأنك رجلٌ ابك ولأنك رجلٌ زر الطبيب قبل الألم، ولأنك إنسانٌ من روحٍ وجسد فلك أن تقول آه متى شئت.

لن تكونَ سندًا أو عمدًا لمن تحب عندما ترحل باكرًا أو تنامَ في الفراشِ طويلًا. كلنا نعلم أنك أيها الرجل لن تستطيعَ إيقافَ الرياح عندما تهب أو تغيير مسارها، ولكنك تستطيع أن تكونَ أقوى صلابةً في دموعكَ والبوح بألمكَ للطبيبِ ولمن تحب، دون وهمِ كبرياءِ وعظمةِ الرجولةِ وقبل أن تقعَ تحتَ رحمةِ المرض.


error: المحتوي محمي