لا يعير البعض بالًا لمشاعر الآخرين ولا حجم الأثر السلبي ومقدار الألم الذي قد تسببه كلمة تفوه بها على نحو العجلة وبقيت كجرح غائر طويلًا، فللعاطفة والروح جروح تمامًا كما للبدن، والكلمات الانفعالية والنارية عنف لفظي ينجم عنه أذية وأوجاع، وإن رشق الآخر بعبارات مسيئة تعد سافر وممجوج مهما كانت بواعثه وأسبابه، فمن غير المقبول اللجوء إلى ما يسيء إلى إنسانيتنا وكرامتنا المتمثلة بالمنطق والتصرف العقلائي، والهمجية والتهور وصرخات الغضب لا تليق بعقول تدرك عواقب وردات الأفعال، فالعبارات المسيئة لا تقل في أثرها عن الرصاص الطائش يقضي على أجمل ما في الحياة وهو الأمان والطمأنينة.
ويعتقد بعض الآباء والأمهات والمعلمين أن الكلمة العنيفة وأسلوب التوبيخ سيكون له أثر إيجابي على نفسية أبنائنا، وذلك من خلال تحذيرهم من التكاسل وارتكاب الأخطاء بلا أي مبالاة واهتمام، فالكلمة الجارحة يعتقدون أنها تشكل رادعًا له عن الاقتراب من المخالفة والأخطاء والعبث، فقرصة الأذن المتمثلة بالكلمة الجارحة ستدفعه بقوة نحو الطاعة والاستقامة!
وهذا وهم واشتباه وخلط بين الاحترام والانضباط وما بين الخوف والنظرة السلبية لمنظومة التربية والتوجيه التي يخضع لها، فما يرونه من انصياع واستجابة مرضية بالنسبة لهم يؤذي نفوس الأبناء ويجرح عواطفهم ويبذر الكراهية والحقد في قلوبهم، ولن يوصل الخوف والرهاب يومًا إلى نتائج طيبة ومأمولة.
ما يعزز اللُحمة والتواصل الأسري هو المحبة والاحترام والتفاهم، والتوجيه للأخطاء لا يتم بالعنف بل من خلال لغة النقاش الهادئ وتبيان عواقب الأفعال، واحترام مشاعر وعقل الأبناء – مهما بدا للكبار من مجانبته للصواب – هو ما يوصل إلى قناعته بوجهة النظر، وتوقع تصولهم إلى مثالية منقطعة النظير في التفكير والسلوك وهمٌ يتبين حقيقته مستقبلًا، فالضغوط الشديدة لرفع مستواه بما لا يتوافق مع قدراته ستؤذيه، فهناك فروق فردية علينا القناعة بها بعد أداء ما عليه وتوجيه الإرشادات له من قبل الوالدين والمربين الموجهين.
وليست هناك من قداسة وتميز لجيل أو فترة زمنية معينة ، فكل جيل له سلبياته وإيجابياته، وقراءة وعيهم وتفوقهم يحتاج إلى مراعاة العوامل المتداخلة والمؤثرة في شخصياتهم وتربيتهم وتنمية قدراتهم، فالتميز وجيل الطيبين سمة باقية في كل زمان، ويمكننا رؤيتها من خلال تربيتنا السليمة لأبنائنا.
تقدير مشاعرهم وآمالهم يشكل محورًا مهمًا في تثبيت الثقة بأنفسهم وتشجيعهم نحو التقدم والنجاح، بينما تسخيف وتسطيح ما يحملونه من أهداف واستصغار شأنهم يزعزع ويعرقل خطاهم، مما يجعلنا ندقق كثيرًا ونتحرز من النطق المتعجل غير المدروس والذي يأتي بنتائج معكوسة.
فلنتذكر إذا كبر أبناؤنا ورأينا من سلوكهم ما نرفضه ونمجه، أنه صنيعة تعاملنا معهم في الصغر وقد تشكل على صورة طباع وأساليب ورثوها من احتضاننا لهم.