“لقد رأيت في هذا الولد جنتي، ورضيت بعطاء الله لي واقتنعت قناعة تامة أنه نعمة من عنده”.. كلمات خرجت من قلب أم آدم وديعة المرهون، تصف فيها مكانة ولدها الذي يعاني من التوحد مما دفعها لتحقيق إنجازات على المستوى الأكاديمي، والعملي بتأسيس مجموعة لرعاية أطفال التوحد تحت عنوان “نتحد معهم”.
جاء ذلك خلال حديث ابنة القطيف المرهون لـ«القطيف اليوم» حول تجربة ابنها البكري آدم الشيوخ ذي الـ8 سنوات، مع التوحد.
وقالت: “بدأت ألاحظ بوادر أعراض التوحد تظهر عليه قبل بلوغه سن العامين، من خلال فقده بعض علامات التواصل معي، وتعلقه الشديد بي”، متابعة: “كنت أحمّل عالم الاغتراب عن المجتمع في أمريكا وعدم التواصل بشكل واسع جزءًا من ذلك ظهور هذه الأعراض”.
وبينت أنها أخذت تبحث عن سبب شرود طفلها عنها للتعرف على عالمه الداخلي، لكسر الحواجز بينها وبينه والولوج في لحظات خياله الشارد، فكان أول تشخيص له أنه يعاني من انصدام بين لغتين، ولديه فقدان للغة ولا يعاني من التوحد، إلا أنها كانت تسأل نفسها: هل ذلك طبيعي كونه ولدها الأول مع قلة اتصاله بالآخرين؟ إلا أنها تذكر تجربتها مع أخوتها وهم أطفال، وهنا تملكها الهاجس بأنه يخفى عليها شيء ما، ومع ذلك أعادت عرضه على طبيب آخر ليكون تشخيصه أن طفلها طبيعي.
وذكرت أنها عندما ولدت أخته مارية وهو في عمر ثلاث سنوات، وقالت: “هنا وضحت الفروق بينه وبين أخته بدرجة كبرى، وأثناء إحدى الزيارات إلى الطبيبة استشفت عند مناداته أنه لا يستجيب بشكل ملحوظ مع وحود ضعف في التواصل البصري لديه”، مضيفة: “هنا بدأت الرحلة الحقيقية بخطوات التأكد من سلامة الحواس عنده من؛ سمع، ونظر، ونطق، وخلالها تبين أنه يعاني من “اضطراب توحد مع تخلف بسيط”.
ومع صعوبة وقع الخبر عليها أشارت الأم إلى أنها دخلت تجاه حلمها الأول بصدمة التصديق أو عدمه، مع إظهار القوة والمواجهة أمام الناس، إلا أنها اتخذت سواد الليل غطاء للبكاء وجلد الذات، والتفكير في السبب وراء ذلك، متسائلة: ما الذي قصرت به أثناء الحمل؟ ومع عدم الوصول للإجابة دخلت في حالة اكتئاب.
وتحدثت عن شعورها في هذه الأثناء قائلة إنها شعرت أنه يتوجب عليها أن تنهض مع أسرتها وأولهم فلذة كبدها آدم، والعمل على تغيير مسار تفكيرها، فوقفت وقفة مواجهة مع الذات بقولها: “الضربة التي لا تقتل تقوي، ولابد من المواجهة وأن أكون قوية”.
وألحقت ولدها ذا الـ4 سنوات حينها، في برنامج دمج مع متعددي الإعاقة لاكتساب مهارات، بحضور يومي، ضمن فصول مكونة من 7 أطفال برعاية مربيتين، حيث تم دمج وقته فيها بين التدريب واللعب والأكل والنشاطات الأخرى.
وأوضحت أنهم عادوا للوطن بعد تخرج والده؛ ليواجهوا تحدي غياب المراكز الخاصة بالتوحد هنا، عدم تسجيل ابنهم مباشرة في المركز؛ حيث طلب منهم إعادة تشخيص حالته من جديد، للحصول على تقرير مما عرقل سرعة انضمامه إلى أي مركز لمدة فصل دراسي كامل.
وقارنت المرهون بين التحديات التي واجهتها في الوطن مقارنة بين المجتمع والعيش في الغربة، فعددت هذه التحديات، وهي، غياب المراكز التخصصية الرسمية في المحافظة، وعدم وجود النوادي التي تحتضن هذه الفئة، والنظرة القاصرة من أفراد المجتمع في تقبل ذوي الإعاقة والتوعية بأنهم بحاجة لدعم أكبر، وعلى النقيض في الغربة فكان التعامل بالحس الإنساني، وتوفر المراكز المتخصصة، والرغبة في المساعدة حتى في المرافق العامة.
وأكدت أن التجربة أوجدت لها نهمًا لمحاولة الإنجاز، إذ لم تكتف بالحصول على شهادة من جامعة الملك سعود بالرياض في تخصص التاريخ فقط، بل دفعها هذا النهم إلى الاتجاه للدراسة والتطوير؛ فقامت بدراسة دبلوم نطق وتخاطب، ودبلوم تكامل حسي، بالإضافة إلى الحصول على كورسات متعددة أخذتها عن بُعد، مع اكتسابها اللغة الإنجليزية نتيجة للاغتراب في أمريكا.
واستطاعت المرهون مع 50 سيدة من الأمهات لأطفال توحديين؛ تأسيس ورئاسة مجموعة “نتحد معهم” لتثقيف الأمهات حول اضطراب التوحد، وماذا يعني وكيف يمكن تأهيل الأبناء للتعايش معه، وبدأت الانطلاق عبر مجموعة واتساب كنوع من التواصل فيما بينهن والتنفيس والفضفضة، مشيرة إلى أنه مع استمرار هذا الجروب تطور إلى تقديم محاضرات والتعريف بالخدمات التي يمكن الحصول عليها لأولادهن.
وفي ذات السياق؛ حكى أسامة الحوار لـ«القطيف اليوم» عن تجربته مع ابنه التوحدي “علي” حيث قطع معه شوطًا ملؤه التحديات لمساعدته على التأقلم مع ذاته والتعايش بين المحيطين به بروحه وجسده.
وكشف الأب خفايا تجربته مع ابنه منذ أن كان عمره 3 سنوات، مع ظهور بعض السمات عليه والتي كان يتعجب منها هو ووالدته، واختلافه عن أقرانه في ردات الفعل والتواصل مع والديه ومن حوله، مبينًا أن القلق بدأ يجول في نفسه، فرأى ضرورة عرضه على اختصاصي لتشخيص حالته.
وقال: “كان أول من شخص حالة علي طبيب أطفال على أنه يعاني من فرط حركة وتشتت الانتباه، إلا أن أحد أصدقائي من اختصاصيي التربية الخاصة أرشدني إلى عرضه على مركز التشخيص المبكر في الدمام”، متابعًا: “وبعد 3 أشهر تم تشخيص حالته على أنه يعاني من توحد متوسط قابل للتعلم مع تشتت انتباه وفرط حركة”.
وأوضح الحوار أنه يعمل على استمرار التعلم مع ابنه ما بين البيت والمركز الخاص الذي التحق به، وفق روتين يومي، مع مراعاة عدم كسره، وملء حياته بالنشاط المستمر”، شاكيًا من غياب المراكز المؤهلة، علمًا بأنها إن وجدت فهي غير مهيأة لبرنامج منضبط يكمل البرنامج الذي سبقه، مع انفصال الخطط بين الاختصاصيين في مدارس الدمج عن السنوات التي قبلها.
وفي النهاية، تمنى الحوار أن يرى ابنه منخرطًا في المجتمع معتمدًا على نفسه، وقريبًا إلى الشخص العادي، معتبرًا إعاقة التوحد من أصعب الإعاقات الموجودة، والمتجددة الأعراض، مع اختلاف كل شخص يعاني منها عن الآخر، مؤكدًا على ضرورة التشخيص المبكر ليتم التأهيل في عمر مبكر، مشبهًا الطفل التوحدي بالكرة الصماء التي يجب اختراقها للكشف عما بداخلها.