{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}[1].
للطفولة معناها الحيوي في عملية تأسيس الشخصية الإنسانية وتقويتها وتنميتها وغرس البذور الطاهرة النقية فيها، وإعدادها للتحول إلى عنصر فاعل منتج يمارس دوره في بناء الحياة على أساس ثابت.
ولذلك كان الاهتمام الإنساني الدائم بالأطفال؛ لكونهم المؤهلين لإحداث أي تغيير أو تثبيت دعائمه، والتأكيد على أنّ العلم في الصغر والتربية خلاله، تعني التثبيت لكل القيم والمفاهيم والأفكار التي يراد التأكيد عليها.
ولذلك اهتم الإسلام كدين في تكوين الطفولة المنسجمة مع مبادئه من خلال ترسيخ مجموعة القيم الأخلاقية والتربوية التي تنفتح على الإنسان طفلًا وشابًا وشيخًا للتخطيط لبناء جيل سليم نفسيًا ودينيًا وصحيًا وتربويًا وأخلاقيًا وللعمل على إعداد الإنسان لتحقيق معنى وجوده لكونه الخليفة على الأرض، ولبناء حضارة إنسانية على الصورة التي يريدها الله في الإنسان كفرد وكمجتمع وكدولة.
وقد حمل الإسلام لبلوغ الهدف أمر التربية على عاتق الأب والأم لكونهما يمثلان العنصر الأساسي في التربية، خاصة في المراحل الأولى للطفل، ولكنه لم يلغ دور المجتمع بكل ما يشمل من مؤسسات تربوية واجتماعية، ووسائل إعلامية ونوادٍ ثقافية ورياضية ومراكز دينية وعبادية.
واعتبر أنّ تأدية كل واحد من هؤلاء دوره يساهم في خلق المناخات التي تهيئ لنضوج الطفل ولبناء ركائز شخصيته التي تتنامى في المستقبل.
وقد اعتمد الإسلام في أسلوبه التربوي على خطين:
– الأول: الجانب الوقائي: حيث منع من وقوع الطفل تحت التأثيرات السلبية التي قد تنشأ من نقاط ضعفه في طريقة تفكيره ونظرته للأمور أو من المجتمع الذي يعمل على مد جذور انحرافه للأطفال.
– الثاني: بناء الشخصية الحية المتحركة والمتوازنة والتي تأخذ حاجتها في الحياة، وذلك من خلال التأكيد على أهمية كل مرحلة من مراحل التربية للطفل، وهي مرحلة اللعب ومرحلة التأديب ومرحلة المصاحبة.
واعتبر أنّ التربية هي نتاج تكامل كل المراحل، بعد إعطاء كل مرحلة حقها الكامل.
وقد أكّد الإسلام أهمية إنتاج الولد الصالح لأنه سيشكل الذخيرة للأب والأم عند الله، بحيث يمنح الله الغفران لأي منهما بمقدار مشاركته في ذلك، لأنّ الولد الصالح هو الذي يمثل النموذج الصالح الذي يحرك حياته وحياة الناس في خط الصلاح، وهو الذي يمثل استمرار الحياة لأهله حتى بعد مماتهم.
أولًا: مفهوم العلاقة الزوجية:
الإنسان لا يعيش وحده، وإنّما يعيش في وسط اجتماعي، يتأثر به، ويؤثر فيه، وأي عملية تربوية تفصل في سياستها ما بين الإنسان كفرد وبين وسطه الاجتماعي، أو تغفل التأثيرات المتبادلة فيما بينهما، تبقى عملية ناقصة وغير جديرة بالنجاح.
ومن هنا تتحدد عدة عناصر في مفهوم العلاقة:
1 – من الطبيعي لأية علاقة تنشأ بين إنسان وآخر أن ينطلق التفاهم من خلالها على أساس أن يفهم كل طرف ما لدى الآخر من نقاط ضعف ونقاط قوة لكي يحقق من خلالهما التوازن بين الجهتين.
2 – ليس من حق أي طرف أن يلغي الآخر أو يمنعه من حق وجوده وما يتمتع به من فكر.
3 – أن تتكون هذه العلاقة بعيدًا عن الرواسب الأخلاقية والفكرية أو العادات والتقاليد المتخلفة أو المتقدمة، بل تدرس بما يضمن تحملًا جديدًا له مقوماته وفعاليته.
4 – أن يتحرك كل من الطرفين بإيمان في أنّ الحياة ليست لنا وحدنا، بل هي لنا وللآخرين لكي لا نقع في الذاتية والنرجسية، وهذا يحتاج إلى وعي إنساني وإيماني منفتح على قضايا الإنسان والحياة.
إذن: ليست العلاقة الزوجية هي حالة إلغاء الآخر في الآخر، بحيث لا تمايز أو اختلاف بين الطرفين، كلا، فالعلاقة الزوجية أولًا وأخيرًا هي علاقة بين شخصين، وما دام يوجد تعددية فلا بدّ في الغالب أنّ لكل واحد منهما خصائص وجودية إنسانية، تختلف عن خصائص الآخر، عملًا بقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[2].
ثانياً: مزايا العلاقة الزوجية:
1 – مزايا طالزوجي
في الإنسان غرائز ودوافع وأهمها الغريزة الجنسية والتي تحدث تغييرات وتحولات في حياة الإنسان، حيث إنّ بروزها على شكل شهوة، والإشباع المشروع لتلك الشهوة هو السبب في وجود واستمرارية الحياة.
والإسلام لا ينظر إلى هذه الغريزة كرذيلة أو قبح أو قذارة أو قلق، لكي يتعامل معها كذنب، فالرؤية الإسلامية ترى أنها جوهر التربية الحياتية ورونقها، فالله تعالى هو الذي خلقها وأودعها في فطرة البشر، وما كان هدفه من ذلك زرع الانحراف والانحطاط في بني البشر، بل أراد من خلالها هدايتها وتوجيهها في مسار التعاليم الإلهية وتوفير الأرضية لمستلزمات السكينة.
يقول تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[3] فاللباس يحفظ الجسم من الحر والبرد، ويستر عيوب الجسم، وهو زينة للإنسان، كذلك الزوجان يحفظ كل منهما الآخر من الانحراف والعيوب، ويوفر كل منهما سبل الراحة والطمأنينة للآخر، وكل منهما زينة للآخر.
فليس هناك أجمل من هذا التعبير بكل ما توجبه عبارة “اللباس” من معاني الستر والوقاية والدفء والملاصقة والزينة والجمال.
ولذا ينبغي على الزوجين أن يتعلما قواعد ممارسة الجنس؛ فهناك فن وقواعد لكل شيء يجب تطبيقها عند ممارسة هذا الشيء، فلماذا لا يكون للجنس فن وقواعد يمكن أن تدرس وأن نتعلمها؟
أو على الأقل نتعرف على الأخطاء الشائعة التي يجب أن نتجنبها، وهذه الأخطاء جاءت نتيجة الإحباط والكبت والابتعاد عن الطبيعة في ما يتعلق بهذه الوظيفة، وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الرجل يجهل نفسية المرأة، والعكس صحيح، أي أنّ المرأة تجهل نفسية الرجل،
إنّ الأخطاء تأتي في بداية الحياة الزوجية بل في الليلة الأولى ليلة الزفاف، إذ غالبًا ما يكون الزوجان غير مستعدين عقليًا ونفسيًا لممارسة الزواج، فالمرأة حساسة جدًا والزوج إما خجول أو مندفع في ممارسته.
ومع ذلك فإنّ الزوجة التي تحب زوجها تكون متأهبة عاطفيًا للاتصال الجنسي الأول، وتعلم أنه لابد من فعل شيء غير سار أو مؤلم بعض الشيء، وسوف تتحمل ذلك وتتقبله بسهولة أكثر إذا عرفت أنّ هذا العمل سوف يمهد الطريق للاتصال الجنسي الكامل.
وأنّ موقفها سوف يسهل الأمر بدلًا من جعله صعبًا نتيجة للمخاوف التي لا مبرر لها، وعلى الزوج أن يعلم ما هو فض البكارة وكيف يفعله دون دور الأب، وأن يعلم زوجته ذلك، أو يستشير طبيبًا أو كتابًا، والرجل الذي يستطيع أن يتفهم عواطف زوجته وأن يعاملها بعناية ورقة يستطيع أن يمارس أول لقاء جنسي بسهولة بالغة.
ومن أهم الأمور أن تكون بداية الحياة الزوجية بداية سعيدة هادئة ناجحة، وهذا يعتمد على الاستعداد العاطفي والنفسي للزوجين.
2 ـ مزايا اجتماعية:
أ – الإنسان يعشق العلاقات الاجتماعية فهو يشعر دائمًا بالحاجة إلى من يعيش معه، فلولا هذا المظهر لما انبثق مجتمع إنساني في الوجود، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[4] وفي هذه الآية الكريمة تأكيد على أنّ أصل البشرية من جذر واحد، وإنما تعددت إلى شعوب وقبائل لحفظ نظام حياة الناس الاجتماعية.
ب – تعميق روح المودة والرحمة اللتان هما من ثوابت البناء في المجتمع الإنساني.{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[5].
3 ـ مزايا أخلاقية:
لقد أشار الإسلام إلى هذا الجانب حيث يقول الرسول (ص): “زوجوا أيامكم فإنّ الله يحسّن لهم في أخلاقهم…” [6].
وأشار (ص) إلى مساوئ العزوبة فقال:
“شرار موتاكم العزاب” [7].
“شراركم عزابكم” [8].
والسبب في ذلك أنّ الغريزة الجنسية من أقوى وأشرس الغرائز في الإنسان، فهي تنافس الغرائز الأخرى بأجمعها، وانحرافها يعرّض المرء إلى الخطر في دينه وأخلاقه.
فالعمل على تهذيب النفس بغض البصر، وحفظ العرض، ومن كان له زوجة فأحرى به أن يقنع بها ولا يتبع الشيطان في وساوسه.
ثالثًا: الطفولة المفهوم والمراحل:
تكتسب مرحلة الطفولة أهمية بالغة في تشكيل بعض معالم شخصية الولد المستقبلية، فهو يخضع لأنماط من السلوك والعادات والخبرات التي تعيش في عمق شخصيته وتساهم في بنائها وصياغتها.
فالطفل يمتاز في هذه المرحلة بسرعة التلقي والتقليد والامتصاص الذاتي، بحيث يستطيع اختزان الكثير من المشاعر والأحاسيس والأفكار والعادات والتقاليد بالسرعة التي لا يستطيع الإنسان الحصول عليها بعد تجاوز هذه المرحلة.
وربما يعود ذلك إلى أنّ الأرضية الإنسانية للطفل بما فيها الأرضية القوية والنفسية والروحية والشعورية، خالية من أي تعقيد ومن أي مؤثر خارج دائرة الوراثة، لذلك فإنّ مرحلة الطفولة سريعة الالتقاط، وهذا ما يعبر عنه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) في وصيته للإمام الحسن (ع) بقوله: “إِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالأَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ”[9] فهي إذن مستعدة لأن تتقبل البذور من النمو في أرضها، ولعدم وجود ما يمنع تلك الأرض من أن تقبل تلك البذور.
وقد نستفيد أيضًا من الحديث الشريف: “كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”[10] نستفيد أنّ التركيبة الفطرية للإنسان تختزن من بداياتها الإحساس السليم بالأشياء والقدرة على اكتشاف الحقائق، بحيث إنها لو انطلقت بشكل طبيعي لاستطاعت أن تكتشف الحقائق الأصيلة كقضية التوحيد وقانون السببية وما إلى ذلك، وهذا ما تدل عليه الآية القرآنية {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}[11].
وفي صحيح زرارة عن أبي جعفر الباقر (ع) قال: “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، يَعْنِي الْمَعْرِفَةَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَالِقُهُ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}” [12].
إننا نفهم من كل ذلك أن في تكوين الطفل فطرة نقية تتفتح على الحقائق الأساسية بسهولة إذا أتيح لها ذلك.
وهنا نسأل: كيف تجلى اهتمام الإسلام بمرحلة الطفولة؟
عندما ندرس التعليمات الإسلامية الأخلاقية السلوكية التي تتصل بالطفولة، نجد تأكيدًا على التدرج في التعامل مع الطفل حسب المراحل العمرية ، فقد ورد عن الصادق (ع) قوله: “دَعِ ابْنَكَ يَلْعَبْ سَبْعَ سِنِينَ، وَيُؤَدَّبْ سَبْعَ سِنِينَ، وَأَلْزِمْهُ نَفْسَكَ سَبْعَ سِنِينَ”[13].
أي أن نمنحه قدرًا من الحرية خلال السنوات السبع الأولى من عمره، لنمارس بعدها عملية التعليم والتأديب والرعاية بمختلف أبعادها الجسدية والنفسية والذهنية في السنين السبع اللاحقة، لننتهي إلى مرافقته سبع سنين أخرى حتى يستطيع أن يفارق طفولته بأمان إلى مرحلة النضج والشباب.
فهناك ثلاث نقاط مهمة ركز عليها الإسلام:
1- لم يترك تربية الطفل خاضعة لمزاج الأبوين، على الرغم من أنه جعلهما مسؤولين مباشرة عن هذه التربية، بل جعلها متحركة ضمن خطة مدروسة تقضي بأن يعطي الأب طفله حرية اللعب واللهو والتعبير بالقدر الذي يحفظ سلامته من الأخطار.
2- ومتى ما اكتملت طفولته الأولى، تأتي المرحلة الثانية التي يتحمل فيها الأب مسؤولية تعليمه وتأديبه، بحيث يختزن الطفل المعلومات والخبرات والقيم والآداب والمهارات بالقدر الذي ينسجم مع حجمه ومستواه الذهني، بحيث يستطيع التكيف مع متطلبات مجتمعه.
3- أما المرحلة الثالثة فتمثل مرحلة الانتقال بالطفل من عالم الطفولة إلى عالم الرجولة، وفيها يصاحب الأب ولده لمساعدته على تطبيق ما تعلمه، وبالتالي تعريفه على آلية سلوك الكبار والأوضاع التي تحكمها.
أما الأدوات التي يمكن استخدامها في إيصال كل تلك المفاهيم فتتسع لكل ما يستحدثه الإنسان من وسائل اللهو مع مراعاة تنويع الأساليب التربوية والنفسية والروحية.
لقد وضع الإسلام للتربية خطة من خلال عناوين أساسية، فعندما قال اتركه سبعًا ليعيش طفولته، فهو يحتاج من الكبار إلى توفير وسائل اللهو واللعب التي تنمي شخصيته دون أن تفرض عليه جانبًا تعليميًا يثقل هذه الطفولة.
الهوامش:
(1) الفرقان: 74.
(2) التوبة: 71.
(3) البقرة: 187.
(4) الحجرات: 13.
(5) الروم: 21.
(6) نوادر الراوندي: ص 36.
(7) المقنعة: ص 497.
(8) جامع الأخبار: ص 102.
(9) نهج البلاغة: كتاب 31.
(10) البحار: ج 58 ص 187.
(11) الروم: 30.
(12) الكافي: ج 2 ص 12.
(13) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 492، والكافي: ج 6 ص 46.