النظريات التربوية كلها تتحدث عن فهم واستيعاب أفكار وسلوكيات الأبناء ودفعهم بالحب نحو الآداب المقبولة والمقومة إيجابًا لشخصياتهم، وضخ ما يمتلكه الآباء والأمهات من خبرات وإرشادات تشجعهم نحو عمل علاقات تتسم بالاستقرار والرقي، ولا يعني هذا أننا نحتاج إلى ثقافات عالية ودورات تربوية متعددة للتعامل الأفضل معهم، فهناك تصرفات وكلمات بسيطة تلقى عندهم الارتياح والانطباع في ذاكرتهم، فالكلمات الرقيقة العفوية المتكررة لها مفعول سحري يشبع عواطفهم ويجلب لهم الأمان الأسري، ويدفعهم قدمًا نحو الثقة بالنفس وتبادل المشاعر الطيبة مع من حولهم، والإحساس بالمقبولية والمحبوبية يشجعهم نحو التحلي بما يكسبهم ثقة الوالدين وتجنب الكلمات والتصرفات السيئة.
فالكلمة الجميلة اصطباحة تنعش نفوسهم وتبرق فيهم أملًا نحو الدراسة والعلاقة الحسنة مع زملائهم، وتستبعد منهم شحنة من الضغوط والقدر الكبير من المشاعر السلبية، ويحفزهم نحو معايشة الأحداث اليومية بقدر من التحمل دون أن يثبط معنوياتهم و نهمهم نحو التعلم واكتساب الأخلاق العالية.
تقدير شخصيته وإعطاؤه مساحة من الاحترام والنظر الإيجابي لحديثه وتصرفاته، سيشكل عاملًا مهمًا في تكوين شخصية قوية قادرة على التعامل مع الظروف المختلفة والمواقف اليومية ومقابلتها بحكمة وشجاعة وتحمل المسؤولية، فالطمأنينة الأسرية سياج منيع أمام الإحباط وضعف الإرادة في ساحة المواجهة مع الصعوبات والتحديات، فبذل الجهد وتكرار المحاولة ومعالجة موضع الخلل والخطأ قدرات يصعب امتلاكها لمن يعاني خللًا أسريًا يشعر معه بالعجز وضعف القدرات، ويساعده على ضبط النفس وامتصاص مشاعره الانفعالية حينما يخفق أو يلاقي نتيجة لا تتناسب والجهد الكبير الذي بذله.
والإلقاء ذو الإيقاع العنيف أو المطول وسرد التجارب المملة والحديث السردي إرشاد وتوجيه لا يجدي مع الأبناء، بل نحتاج كثيرًا إلى تفعيل طاولة الحوار مع الأبناء والاستماع المتبادل وإفساح المجال لطرح فكرته ووجهة نظره وإن بدت عند الوالدين واهنة وغير مستساغة، فتبادل الآراء معهم يفتح آفاق فكرهم وقلوبهم نحو تقبل الآراء والتوجيهات القيمة القائمة على مستند وبيان عواقبه، وتلك النقاشات لابد أن تضع الوالدين و الأبناء على أرضية تفاهم مشتركة.
وهناك طرق وأساليب خاطئة لا ينبغي التعامل بها مع أبنائنا، لما لها من مردود سلبي يزعجهم ويفقدهم الثقة بالنفس وينفرهم منا، ومنها أسلوب المقارنة مع أحد أخوانه أو أصدقائه المتميزين بالتفوق الدراسي أو الهدوء والنظام أو الروح الاجتماعية، واستخدام العبارات العنيفة والتوبيخ والاستهزاء بهم أو بأفكارهم، ونعتهم بالكسل وضعف الهمة وفقدان الطموح والضياع، كل هذه الطرق السلبية في التعامل ليس لها من نهاية إلا خلق جدار تفاهم وثقة متصدع، ويأتي بنتائج عكسية أهمها ترسيخ الضعف والإحباط فيهم.
فلندع لهم فرصة التصرف دون رقابة لصيقة أو تسلط يسلبهم حرية الاختيار، وما نجده من أخطاء أو أوجه قصور يمكن تبيانها والتنبيه عليها، في مهمة ليست سهلة بالطبع ولكن علينا تذكر أن التربية وتقويم الأفكار والسلوكيات عملية مستمرة، وتحتاج إلى جهود كبيرة ونفس طويل لتحمل ما يصدر عنهم.