مكالمة هاتفية من البحرين للبحاري للاطمئنان على «جنّي البحر»!!

رجلٌ عصامي تحملَ شظفَ العيشِ وحياةِ الضنكِ وأبحرَ معنا في ذكرياتهِ الجميلةِ، ارتوى بمياهِ الوطنِ وعاشَ على مياهِ وشواطئِ الخليجِ لسنواتٍ طويلةٍ، شخصيةٌ بارزةٌ في عالمِ البحارِ، قصةُ كفاحٍ جديرةٌ بالذكر ِوالاحترامِ عاشها بين َحرِّ الهجيرِ وبردِ الشتاءِ مِلؤها الطموحَ والاعتمادَ على النفسِ وتخطي جميعَ العقباتِ وهو من شهدَ له التاريخَ بحسنِ الأخلاقِ والجهادِ من أجلِ لقمةَ العيشِ، وكما أنَّ لهُ مغامراتٌ لا تنسى من الذاكرةِ.

ضيفنا هو من الجيلِ الأخيرِ ومن النواخدةَ الكبارِ، أشجعهُم وأكثرهُم جرأةً وحبًا للمغامرةِ و من أشهرِ النواخدةِ البارزينَ على مستوى الوطنِ العربي من المملكة العربية السعودية-المنطقة الشرقية وتحديدًا محافظةِ القطيفِ بقريةِ البحاري.

ضيفنا خبيرٌ في عالمِ البحارِ، هو رجلٌ من رجالاتِ البحاري الذينَ عاصروا أيامَ قسوةِ الحياةِ، فهو رجلٌ طليقُ اللسانِ قويُّ الذاكرةِ، إنهُ العم النوخذة السّيد طاهر بن السيد علوي الزيداني؛ أبحرنا معهُ في رحلةٍ أرجعتنا للوراءِ حيثُ البساطةِ والتفاني في العملِ، في ذلك الوقتِ لم تكنْ الحياةُ سهلةً كما يتصوّرها البعضُ بل على العكسِ من ذلك لا مكانْ فيها للكسلِ فالجميعُ يعملونَ ويكدحونَ ويعيشونَ على اليوميةِ حيثُ الآباءِ والأجدادِ يعملونَ بكلِّ صدقٍ وأمانةٍ.

البطاقة الشخصية
السّيد طاهر بن علوي الزيداني.
من مواليدِ قرية البحاري بمحافظةِ القطيفِ من المنطقةِ الشرقيةِ وُلد عام ١٣٤٠هجرية.

سيرة حياته
عاشَ السيد طاهر الزيداني مع أسرةٍ شريفةٍ في قريةِ البحاري في ظلِّ ورعايةِ والدهِ المربي الفاضل المُلا السيد علوي الزيداني -رحمهُ الله.

منذُ نعومةِ أظافرهِ وهو يعملُ في البحرِ لصيدِ الأسماكِ، وذلك على ظهرِ سفينةً شراعيةً محليةَ الصنعِ دون محركِ قياسٍ مع الزمنِ الحديثِ بقيادةِ خيلانهِ النواخدة وهم الحاج حسن، الحاج عبد الله والحاج محمد آل محيميد، بعدَ ذلكَ عملَ في البحرِ بمفردهِ بالاعتمادِ على النفسِ، ومن خلالِ عملهِ في البحرِ كانَ يصطادُ الأسماكِ ويستخرجَ الحجر َالبحري من عمقِ البحرِ ويقومُ ببيعهِ على أبناءِ القريةِ، ومعظمُ بيوتِ أهلِ القريةِ الموجودةُ إلى يومِنا هذا هي من تمويلِ النوخدة، ويُعدُّ الحجرُ الذي يستخرجهُ من أفضلِ أنواعِ الحجرِ البحري، حيثُ يتميزُ بالثقلِ والصلابةِ لذا يكونُ بيعهُ بسهولةٍ؛ ونذكرُ لكم البعض من مغامراتِ النوخدة السيد طاهر وهو على متنِ سفينتهِ عندما كان على الحدودِ البحرينيةِ كان يصطادُ السمكَ هناك، وعندما شارفَ على إنهاءِ عملهِ إذ هبَّت الرياحِ والعواصفِ الشديدةِ، فقام حرسُ الحدودِ البحرينيةِ بمنعِ النوخدة السيد طاهر من المغادرةِ في هذا الوقت، فاعترضَ السيد طاهر وأصرَّ على المسيرِ في حفظِ الله ورعايتهِ بعدما أُخذَ عليهِ قرار بالمسيرِ تحت مسؤوليتهِ، فانطلقَ عائدًا من حيثِ أتى ووصلَ سالمًا وللهِ الحمدُ، وبعدَ وصولهِ هناكَ جاءَ اتصالٌ هاتفيٌ إلى أهلهِ من الأجهزةِ الأمنيةِ من البحرين للاطمئنانِ على سلامةِ النوخدة الكبير العم أبو سيد حيدر.

السيد طاهر هو الابنُ الأكبرَ إلى المعلمِ السيد علوي، حيثُ اعتمد عليهِ والدهُ اعتماداً كلياً لإدارةِ شؤونِ الأسرةِ بحكمِ أنهُ الكبير بين إخوانهِ الأربعة، وهمُ المرحوم السيد علي، والمرحوم السيد أحمد، والمرحوم السيد عباس، والأخير السيد إبراهيم.

تكفلَ بإخوانهِ ووالديهِ وتحملَ المسؤوليةِ في سنٍّ صغيرة وتخطى جميعَ العقباتِ الصِّعابِ بمفردهِ، حيثُ عملَ في البحرِ وهو صغيرُ السنِّ لم يتجاوز التاسعةَ من عمرهِ، تحملَ شظفَ المعيشةِ وقسوةِ الحياةِ، رجلٌ من الرجالاتِ الذين تفتخرُ وتزدهرُ بهم البلادِ، السيد طاهر اسمٌ يُكتبُ بحِبرٍ من ذهبٍ لمعَ اسمهُ كنوخدة وكسبَ جميعَ التحدياتِ بشجاعتهِ ومغامراتهِ الخطيرةِ من خلالِ عملهِ في البحرِ لصيدِ الأسماكِ، وكما عُرفَ عنهُ الشرفَ والنزاهةَ والإخلاصَ في العملِ، رجلٌ لم يترك للكسلِ مكانًا، رجلٌ نشِط يتمتعُ بالحيويةِ وحبِّ العملِ، عشِقَ البحرَ عِشقَ الجنونِ فعشقتهُ المياهُ بما فيها حتى أنّ هناكَ منطقةٌ في البحرِ أصبحت تُعرفُ باسمهِ وهي “خريص سيد طاهر”.

بعدما تزوجَ السيد طاهر من رفيقةِ دربهِ الحاجة أم سيد حيدر -أمدَّ اللهُ في عمرِها الشريف ومتَّعها بالصحةِ والعافيةِ- شيدَ أولَ منزلٍ سكنيٍ لهُ في قريةِ البحاري في فريق معروفٍ لدى جميعُ أبناءُ القريةِ بـ “فريق البراحة”، حيثُ يقعُ منزلهُ من الجهةِ الشماليةِ شرقَ منزلِ المرحومِ حسن المياد مباشرةً وعاشَ فيهِ مع أبنائهِ وبناتهِ أكثرَ من خمسين سنةً تقريبًا ثم انتقل بعدها إلى منزلهِ الحالي وهو في منطقةِ حي الحسين الواقعُ في الجهةِ الشرقيةِ لقريةِ البحاري هو وجميعُ أبنائهِ الخمسةَ؛ كانَ رجلًا رحيمًا مع جيرانهِ إذ كانت الألفةَ والمحبةَ تسودُ على جميعِ الجيران وأبناءِ الحي فنِعمَ الرجلُ الصالحَ.

وقفات
س – كيفَ كانت معيشةُ أهالي البحاري في ذلكَ الوقت؟
ج – كان أهلُ البحاري ينقسمونَ إلى عدةِ أقسامٍ، فالبعضُ منهم يعملُ في البحرِ بمهنةِ صيد الأسماكِ واستخراجِ الحصى الثقيلِ الذي تُبنى بهِ البيوتِ العربيةِ، ومنهم من كان يعملُ في النخيلِ والزراعةِ، ومنهم من يعملُ في البناءِ.

س – وكيفَ كانت الحياةُ سابقًا؟
ج – كانت حياةً حُلوةً سعيدةً جدًا، كان جميعُ الأهالي يدًا واحدةً متحدين لا يكسُرهُم شيءٌ أبدًا، يشتهرون بالكرمِ والشجاعةِ والنخوةِ، أهالي البحاري أُناسٌ طيبون يتقاسمون الرزقَ فيما بينهم والكلُّ مرتاحٌ وسعيد.

س – حدِّثنا عن أحياءِ قرية البحاري؟
ج – القريةُ تتكون من ثلاثةِ أحياءٍ، الأول يعرفُ بـ”حي البراحة”، وهو المكانُ الواسعُ يجتمعُ فيهِ أبناءُ القريةِ في المناسباتِ، ويقعُ داخل القريةِ.

أما الحيُ الثاني فهو “حي الجبلة”، وسُمي بذلك لأن أرضهُ قاسيةً وكان في بدايةِ تكوينهِ عبارة عن فِديةٍ، حيثُ يأتي الفلاحون إلى الحي لعملِ السلوق فيه.
أما الحيُ الثالثِ فهو “حي الصيران”، كان يُجلبُ فيهِ الطينُ والحجرُ البحري ويتمُ تحويلُ الطينُ الطريَ من المادةِ الطبيعيةِ إلى مادةٍ صلبة.

ويقعُ في الجهةِ الغربيةِ للقريةِ تحديدًا منزلُ أخي السيد علي الزيداني الذي يسكنُ فيهِ أبناؤه حاليًا.

س – دعنا نتحدثُ عن ذكرياتِ البحرِ وصيدِ الأسماكِ.. سيدي الفاضل عرِّف لنا ما معنى كلمةُ “نوخدة”؟
ج – “نوخدة” هي مصطلح خليجي يُطلقُ على صاحب ِسفينةِ الصيدِ، فلا يسمحُ إلى أيِّ بحارٍ أن يتخذَ القرارُ الذي يناسبهُ بل عليهِ الرجوعُ للنوخدة وتنفيذِ جميعِ أوامرهِ.

س – ما أفضلُ جانبٍ من جوانبِ الصيدِ في المنطقةِ الشرقيةِ؟
ج – أفضلُ جانبٍ هو منطقةٌ تقعُ في مدينةِ الخبر وتُسمى “الضياع”، ولها اسمٌ آخر وهو “خريص سيد طاهر”.

س – لماذا سُمي “خريص سيد طاهر”؟
ج – سُمي بذلك لأني أنا مكتشفُ هذهِ البقعةُ المباركة فيها الخيرُ الكثيرُ، ولله الحمد بقيتُ لسنواتٍ طويلةٍ أُبحرُ فيها بمفردي، كنتُ آتيها ليلًا خشيةَ أنْ يراني البحارةَ وأقومُ بإطفاءِ جميعِ المصابيحِ التي في المركبِ كي لا أُرى من قِبلِ السفنِ والمحاملِ، وبعدَ مرورِ السنواتِ أصبحت هذه البقعةُ معروفةٌ لدى البحارةِ وسُميت بالاسمِ المذكورِ وهو خريص سيد طاهر؛ وتشتهر بالربيان الجامبو.

س – البعضُ من البحارةِ يطلقُ عليكَ اسم “جنِّي البحر”، لماذا؟
ج – نسبةً لدخولي البحرَ ليلًا، تحديدًا في منطقةِ الضياع (خريص سيد طاهر)، ولشجاعتي وحبِّي للمغامرةِ، كذلكَ معرفتي التامةَ لجميعِ المواقعِ التي يكثرُ فيها الصيد.

س – عدّد لنا أسماءَ مناطقِ صيد الأسماكِ في المنطقة؟
ج – أولًا: “منطقةُ الضياعِ” تقعُ ناحيةَ الخبر بين الجفرة والطرف.

ثانيًا: “جلاب السيف” تقعُ بين القطيف ودارين.

ثالثًا: “الغبة” تقعُ بين كورنيش الناصرة والمشاري، وتشتهرُ بالريان والحياسين والشعري.

رابعًا: “خور سيهات” موقعهُ حاليًا كورنيش سيهات ويشتهرُ بالربيان.

خامسًا: “ميناء الدمام”، يشتهرُ بالربيان الأحمر ويعتبرُ من الربيان المرغوب.

سادسًا: “الجفرة” تقعُ في الخبر، تشتهرُ بالربيان.

سابعًا: “الطرف” وتقعُ في الخبر أيضًا، وتشتهرُ بالربيان.

ثامنًا: “القفص” وتقعُ بين الخبر ومملكة البحرين.

تاسعًا: “الوسطاني” تقعُ في رأس تنورة وتشتهرُ بالسمكِ والربيان.

س – ما أكثرُ أنواعُ الأسماكِ التي اصطدتها؟
ج – أكثرُ الأنواعِ هي الكنعد والشِعري والهامور والصافي.

س – عرِّف لنا أدواتَ صيدَ الاسماكِ وما مكوناتها؟
ج – القَرقور: هو سلةٌ كبيرةٌ من الأسلاكِ المتشابكةِ والمتداخلةِ لها فتحاتٍ صغيرةٍ لا تسمح بخروجِ الأسماكِ، و لها فتحةٌ أخرى تدخل منها الأسماك.

الخضرة: هي مصيدةٌ كبيرةٌ تتكون من أعوادٍ من الجريدِ أو القصب تُغرسُ في أرضِ البحرِ وقت أوسكار المياه.

المنصب: هو أحدُ أنواعِ الشباكِ طولُها عشرون مترًا وتستخدمُ بالقربِ من الشواطئ.

الزيداني في عيون عميد الصيادين

وأخيرًا، في حديثٍ مع عميدِ الصيادينَ بالقطيف وهو النوخدة (رضا بن حسن الفردان):
كلمةٌ صغيرةٌ تُحدثنا فيها عن العمِّ النوخدة الكبير السيد طاهر الزيداني؟
النوخدة الوالِد السيد طاهر من كبارِ النواخدة الذين عرَفتهم القطيفِ بل الوطنُ والخليج، فهو شخصيةٌ كبيرةٌ جدًا اشتهرَ بالطيبةِ والشجاعةِ وحبهِ الشديدِ للمغامراتِ، لهُ صولاتٌ وجولاتٌ في بحارِ وشواطئِ المنطقةِ، حتى أن لهُ منطقةً خاصةً اسمها “خريص السيد طاهر”، وهو النوخدة الوحيدُ الذي يبحرُ فيها حتى أتذكرُ جيدًا كان أهلُ البحرين يلقبونهُ بـ”دعيدع البحر”، وفي القطيفِ هنا يلقبونهُ بـ”عفريت البحر”، فعلًا نوخدة من كبارِ النواخدةِ الذين عرفهم الوطن ويستحقُ منا كلَّ التجليلِ والاحترامِ -حفظهُ الله – وأسألُ الله لهُ العافية.

وفي نهايةِ الحلقةِ، ما يسعني إلَّا أن أتقدمَ بالشكرِ والعرفانِ إلى العمِّ النوخدة السيد طاهر الزيداني على إتاحة الفرصةِ لي لإجراءِ هذا اللقاءُ الشيقُ والمفيدُ، والذي تعلمنا منهُ دروسًا في الحياةِ، وكذلكَ تعلمنا منهُ كلَّ معاني الصبرِ والتضحيةِ من أجلِ أن نكون أقوياءَ ومخلصين في جميعِ أعمالنا، وكذلك الشكرُ موصول إلى أبناءِ السيد الجليل وفي مقدمتهِم الناشطُ الاجتماعي السيد حيدر أبو سيد نزار، والسيد حسين، والسيد عدنان، وإلى جميعِ أبناءِ وبناتِ وأحفادِ السيد وإلى جميعِ عائلةِ الزيداني، أطالَ الله في عمرهِ الشريفِ ببركةِ محمدٍ وآل محمد

من سيرته:
والده هو المُربي الفاضل الملا علوي الزيداني، ووالدتها لأم الكبيرة الراحلة الملاية خديجة بنت علي آل محيميد، تزوج من الحاجة صفية بنت رضوان الشقيقي، وله من الأولاد: السيد حيدرم؛ تزوج ويحملُ شهادةُ البكالوريوس في العلومِ، كان يعملُ كمدرس ومتقاعد حاليًا، السيد حسين؛ متزوج وحاصل على شهادةِ الثانويةِ التجاريةِ، متقاعد من شركةِ “أرامكو”، السيد عدنان؛ متزوج وحاصل على شهادةِ الثانويةِ التجاريةِ ومتقاعد من التأميناتِ الاجتماعيةِ، السيد كمال؛ متزوج وحاصل على شهادةِ دبلوم اجتماعيات وتربية بدنية ويعملُ مدرسًا، السيد ماجد؛ متزوج وحاصل على شهادةِ بكالوريوس تخصصِ لغةٍ عربيةٍ ويعملُ مدرسًا، أما بناته فهن: السيدة نجيبة أم ميرزا سويف والسيدة معصومة أم ممدوح آل احميد والسيدة بتول أم محمد العوى والسيدة زكية أم علي العوىا والسيدة شريفة أم موسى المحاسنة والسيدة فاطمة أم حسن الصفار.


error: المحتوي محمي